يكون معنى الكلام وقالت اليهود يد الله مغلولة فغلّت أيديهم ، أو وغلّت أيديهم ، وأضمر تعالى الفاء والواو ، لأنّ كلامهم تمّ واستؤنف بعده كلام آخر ، ومن عادة العرب أن تحذف فيما يجري مجرى هذا الموضع» (١). ثمّ احتجّ لهذا التوجيه اللغوي بقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) (٢) ، فقال : أراد : فقالوا أتتخذنا هزوا ، فاضمر تعالى الفاء ؛ لتمام كلام موسى عليهالسلام (٣).
[وسنذكر] عناية المرتضى بهذا الأسلوب في كلامنا على الدلالة السياقية ، إذ عوّل كثيرا على الآيات المحيطة بالمفردة المراد تفسيرها ، واتّخذ من سياق الآية قرينة لغوية لتعيين دلالة اللفظة ، ففي بيانه لدلالة قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (٤) ، ذكر وجهين : أحدهما «أن يكون «فلا» بمعنى الجحد وبمنزلة «لم» ، أي فلم يقتحم العقبة ؛ وأكثر ما يستعمل هذا الوجه بتكرير لفظ «لا» كما قال سبحانه : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (٥) أي لم يصدّق ولم يصلّ ، ...» (٦) ، ثمّ يضيف : «وقلما يستعمل هذا المعنى من غير تكرير لفظ ؛ لأنهم لا يقولون : لا جئتني وزرتني ، يريدون : ما جئتني ، فإن قالوا : لا جئتني ولا زرتني صلح ؛ إلّا أن في الآية ما ينوب مناب التكرار ويغني عنه ، وهو قوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (٧) فكأنه قال : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) ولا آمن ، فمعنى التكرار حاصل» (٨).
وواضح هنا أن الشريف المرتضى يرى أن مجيء «لا» بمعنى «لم» أكثر ما يكون بتكرير لفظ «لا» ، وهو رأي الخليل بن أحمد ، الّذي عدّ هذا الوجه هو الأفصح ، إذ يقول في تفسير الآية : «وأما قوله : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) ف «لا» بمعنى «لم» كأنّه قال : فلم يقتحم العقبة ... إلّا أن «لا» بهذا المعنى إذا كررت أفصح
__________________
(١) أمالي المرتضى ، ٢ : ٤.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٦٧.
(٣) أمالي المرتضى ، ٢ : ٥.
(٤) سورة البلد ، الآية : ١١.
(٥) سورة القيامة ، الآية : ٣١.
(٦) أمالي المرتضى ، ٢ ـ ٢٨٨ : ٢٨٩ ، وينظر معاني القرآن «للأخفش الأوسط» ، ٢ : ٥٣٨ ، ومعاني القرآن «للزجّاج» ، ٥ : ٣٢٩.
(٧) سورة البلد ، الآية : ١٧.
(٨) أمالي المرتضى ، ٢ : ٢٨٩.