منها إذا لم تكرّر» (١) ، ولكن المرتضى وهو مفسّر القرآن بالقرآن ينظر إلى السياق وأثره في توجيه المعنى ، فهناك ما ينوب عن التكرار في الآية وهو قوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (٢) ، وكان الزجاج قد سبق إلى هذا المعنى ، وأشار إلى ذلك بقوله : «المعنى فلم يقتحم العقبة ، كما قال : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (٣) ولم يذكر «لا» إلّا مرّة واحدة ، وقلما يتكلّم العرب في مثل هذا المكان إلّا «بلا» مرّتين أو أكثر ... والمعنى في «فلا صدّق ولا صلّى» موجود ... لأن قوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) تدلّ على معنى فلا اقتحم العقبة ولا آمن» (٤).
ولم يكتف المرتضى وهو يفسّر القرآن بالقرآن بالقرائن المتّصلة المحيطة بالمفردة ، بل يعمد إلى الاستدلال بآيات من سور أخرى ، ونراه ـ في بعض الأحيان ـ يجمع القرائن المتّصلة والقرائن المنفصلة لبيان المعنى المستفاد من النصّ القرآني ، ففي قوله تعالى : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٥) ، يفسّر المرتضى «الغواية» بمعنى الخيبة وحرمان الثواب ، فكأنه تعالى قال : «إن كان الله يريد أن يعاقبكم بسوء أعمالكم وكفركم ، ويحرمكم ثوابه فليس ينفعكم نصحي ما دمتم مقيمين على ما أنتم عليه ، إلّا أن تقلعوا وتتوبوها» (٦). ويعلل هذا التوجيه بقوله : «وقد سمّى الله تعالى العقاب غيا ، فقال : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٧) ، وما قبل هذه الآية يشهد بما ذكرناه ، وأنّ القوم استعجلوا عقاب الله تعالى : (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) (٨) الآية ، فأخبر أنّ نصحه لا ينفع من يريد الله أن ينزل به العذاب ، ولا يغني عنه شيئا» (٩).
__________________
(١) العين ، ٨ : ٣٥٠.
(٢) سورة البلد : الآية : ١٧.
(٣) سورة القيامة ، الآية : ٣١.
(٤) معاني القرآن ، ٥ : ٣٢٩ ، وينظر معاني القرآن «للفرّاء» ، ٣ / ٢٦٤. ومغني اللبيب ١ : ٢٦٩.
(٥) سورة هود ، الآية : ٣٤.
(٦) أمالي المرتضى ، ٢ : ٢٤٦.
(٧) سورة مريم ، الآية : ٥٩.
(٨) سورة هود ، الآيتان : ٣٢ ، ٣٤.
(٩) أمالي المرتضى ، ٢ : ٢٤٦.