وإنّما أرادت ما ذكرناه من كثرة وقوع الإقبال والإدبار منها (١).
ويحتج المرتضى لهذا المعنى بقرائن قرآنية متّصلة وأخر منفصلة فيقول : «ويشهد لهذا التأويل قوله في موضع آخر : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) (٢) ، ويطابقه أيضا قوله تعالى : (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) ، لأنّه وصفهم بكثرة العجلة وأن من شأنهم فعلها ، توبيخا لهم وتقريعا ، ثمّ نهاهم عن الاستعجال باستدعاء الآيات من حيث كانوا متمكّنين من مفارقة طريقتهم في الاستعجال (٣). وذهب القرطبي (ت ٦٧١ ه) إلى هذا المعنى ، إذ أنّه حمل الكلام في الآية على المبالغة في الوصف (٤) ، ورفض القول بالقلب ، لأنّه ـ كما يقول ـ «لا ينبغي أن يجاب به في كتاب الله ـ لأنّ القلب إنّما يقع في الشعر اضطرارا» (٥).
ويستعين المرتضى بهذا الأسلوب ـ تفسير القرآن بالقرآن ـ لدفع شبهة أو إزالة وهم ، أو ردّ اعتراض معترض ، ويشعرنا منهجه بالحرص على دفع كلّ هذه الشبهات الّتي تتعلّق بلغة القرآن الكريم وتعبيره بصيغة دون أخرى ، كما تتعلّق بمعانيه ، وقد صاغ المرتضى تلك الإشكالات أو الأوهام على صورة أسئلة يثيرها سائلون ، فيجيب عنها بما ينفي الشبهات ويظهر الحقائق ، ففي تفسيره لقوله تعالى : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٦) ، يتوقّع سائلا يسأل : كيف خاطب آدم وحوّاء عليهماالسلام بخطاب الجمع وهما اثنان؟ وفي الجواب يذكر أكثر من وجه منها : أن يكون الخطاب يختصّ آدم وحوّاء عليهماالسلام ، وخاطب الاثنين بالجمع على عادة العرب في ذلك ؛ لأن التثنية أوّل الجمع ، قال تعالى : (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (٧) ، أراد لحكم داود وسليمان عليهماالسلام ...» (٨).
__________________
(١) أمالي المرتضى ، ١ : ٤٦٥ ، وينظر الكشّاف ، ٢ ـ ٥٧٢ : ٥٧٣ ، والتبيان في إعراب القرآن ، ٢ : ٩١٨.
(٢) سورة الإسراء ، الآية : ١١.
(٣) أمالي المرتضى ، ١ ـ ٤٦٥ : ٤٦٦.
(٤) ينظر الجامع لأحكام القرآن ، ١١ : ٢٨٨.
(٥) نفسه ، ١ : ٢٨٨.
(٦) سورة البقرة ، الآية : ٣٦.
(٧) سورة الأنبياء ، الآية : ٧٨.
(٨) أمالي المرتضى ، ١٥٥ : ٢ ، وتنزيه الأنبياء : ١١٣ ، وينظر الكتاب ، ٢ : ٤٨.