قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ، فالمقام هو مقام ذكر النعم الّتي أنعم الله تعالى بها على بني إسرائيل ، والله تعالى أعلم.
ويستعين الشريف المرتضى بهذا الأسلوب لدفع الروايات الموضوعة والغريبة عن الفكر الإسلامي الأصيل ، وبخاصّة ما يعرف في علم التفسير ب «الإسرائيليات» الّتي ابتلي بها هذا العلم ، ذلك القصص الّذي نشأ أصلا في ظلّ المنقول عن بعض أهل الكتاب الّذين أسلموا ، وليس لها سند من سماع صحيح أو عقل ، فكان عبثا على علم التفسير ضاق به المحقّقون من المفسّرين (١). وينكر المرتضى مثل هذه القصص ، ويتّضح هذا الشيء في وقوفه عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) (٢) ، فقد ذكر قول من قال في تفسير هذه الآية : إن جنيا كان اسمه صخرا تمثل على صورة نبي الله سليمان عليهالسلام ، وجلس على سريره ، وأنه أخذ خاتمه الّذي فيه النبوّة ، فألقاه في البحر ، فذهبت نبوّته وأنكره قومه حتّى عاد إليه من بطن السمكة (٣). ويرفض المرتضى هذا القول وأمثاله من الإسرائيليات ، ويحتجّ لهذا الرفض بدليل القرآن ، فيقول : وأمّا ما رواه الجهّال في القصص في هذا الباب فليس ممّا يذهب على عاقل بطلانه ، وأن مثله لا يجوز على الأنبياء عليهمالسلام وأن النبوّة لا تكون في خاتم وأن الله تعالى لا يمكن الجني من التمثل بصورة النبيّ عليهالسلام ... وليس في ظاهر القرآن أكثر من أن جسدا ألقي على كرسيه على سبيل الفتنة له وهي الاختبار والامتحان ، مثل قوله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (٣) (٤) (٥) ، وقد ذكر ابن قتيبة هذا المعنى فقال : الفتنة ،
__________________
(١) ينظر تفسير القرآن العظيم ، ١ ـ ١٣٨ : ١٣٩ ، والقرآن والتفسير : ٢٥٣ ، وسورة الرحمن وسور قصار : ٧ ، ومنهج الطوسي في تفسير القرآن الكريم : ٢٢٩.
(٢) سورة ص ، الآية : ٣٤.
(٣) ينظر تنزيه الأنبياء : ١٢١ ، ومعاني القرآن ، ٤ : ٣٣٢.
(٤) سورة العنكبوت ، الآيات : ١ ـ ٣.
(٥) تنزيه الأنبياء : ١٢١.