الاختبار ، يقال : فتنت الذهب في النار : إذا أدخلته إليها لتعلم جودته من رداءته. وقال تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (١).
ونجد المرتضى ـ وفي أحيان كثيرة ـ يزاوج بين الشاهد القرآني والشاهد الشعري ، أو بين الشاهد القرآني ودليل العقل ، أو يجمع بين كلّ هذه القرائن لغرض توكيد المعنى الّذي يذهب إليه ، فهو حين يقف عند قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (٢) ، يرى أن ظاهر الآية يشعر أنه تعالى ما شاء أن يكونوا أمّة واحدة وأن يجتمعوا على الإيمان والهدى ، لأن الكناية عن «الرحمة» لا تكون بلفظة «ذلك» ، ولو أرادها لقال : ولتلك خلقهم (٣) ، وهذا بخلاف ما يذهب إليه المرتضى الّذي يقول بالعدل ويرفض الجبر ، ولذا فهو يرد هذا الكلام بدليل العقل وشهادة اللفظ ، فيقول : «فأمّا لفظة ذلك في الآية فحملها على الرحمة أولى من حلمها على الاختلاف ؛ لدليل العقل وشهادة اللفظ ، فأمّا دليل العقل فمن حيث علمنا أنه تعالى كره الاختلاف ، والذهاب عن الدين ، ونهى عنه ، وتوعد عليه ، فكيف يجوز أن يكون شائيا له ... وأمّا شهادة اللفظ فلأن الرحمة أقرب إلى هذه الكناية من الاختلاف ، وحمل اللفظ على أقرب المذكورين إليها أولى في لسان العرب (٤). ولم يكتف المرتضى بدليل العقل وشهادة اللفظ بل يضيف قرائن قرآنية يفسر فيها القرآن بالقرآن ، فيقول : فأمّا ما طعن به السائل ، وتعلّق به من تذكير الكناية ، وأن الكناية عن الرحمة لا تكون إلّا مؤنثة فباطل ، لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي ، وإذا كنى عنها بلفظ التذكير كانت الكناية على المعنى ، لأن معناها الفضل والإنعام ، كما قالوا سرني كلمتك ، يريدون سرني كلامك ، وقال الله تعالى : (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) (٥) ، ولم يقل «هذه» وإنّما أراد هذا
__________________
(١) تأويل مشكل القرآن ، ٤٧٢ ، وينظر الزاهر ، ١ : ٥٨٠.
(٢) سورة هود ، الآيتان : ١١٨ ـ ١١٩.
(٣) ينظر أمالي المرتضى ، ١ : ٧٠.
(٤) أمالي المرتضى ، ١ ـ ٧٠ : ٧١ ، وينظر التبيان في إعراب القرآن ، ٢ : ٧١٨.
(٥) سورة الكهف ، الآية : ٩٨.