فضل من ربّي ، وقالت الخنساء (١) :
فذلك يا هند الرزية فاعلمي |
|
ونيران حرب حين شبّ وقودها (٢) |
وواضح هنا أنّ الشريف المرتضى يجعل العقل دليلا كاشفا عن صحّة التفسير أو ضعفه ، فما يرفضه العقل مرفوض عنده باستمرار ، ولكنّه لا يلغي دليل النقل ، ولا يغض من شأنه ، بل يحاول أن يزاوج ما بين المنقول والمعقول ، وأن لا يقيم تعارضا بين حجج العقل وحجج القرآن ، فالتفسير العقلي مضافا إليه التفسير اللغوي يتضافران في توجيهه لدلالة النصّ القرآني ، فالرجل يجمع بين دليل القرآن ودليل اللغة ، وهو في كلّ هذا قوي الحجّة ، واستشهاداته قويّة في دلالتها على ما يريد.
ومن المواطن الأخرى الّتي يجمع المرتضى فيها بين دليل القرآن ودليل العقل ما جاء في بيانه لدلالة قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) (٣) ، إذ انّه يرفض قول الّذين ظنّوا في تأويلهم للآية أنّ الله تعالى استخرج من ظهر آدم عليهالسلام جميع ذرّيته ، وهم في خلق الذرّ ، فقررهم بمعرفته ، وأشهدهم على أنفسهم (٤) ، ويعلّل هذا الرفض بقوله : وهذا التأويل ـ مع أنّ العقل يبطه ويحيله ـ ممّا يشهد ظاهر القرآن بخلافه ؛ لأنّ الله تعالى قال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ)، ولم يقل : من آدم ، وقال : (مِنْ ظُهُورِهِمْ)، ولم يقل : من ظهره ، وقال : (ذُرِّيَّتَهُمْ) ولم يقل : ذرّيته (٥).
ويؤكّد المرتضى هذا المعنى اللغوي بدليل عقلي ، فيقول : فأمّا شهادة
__________________
(١) ديوانها : ٤٤.
(٢) أمالي المرتضى ، ١ : ٧١.
(٣) سورة الأعراف ، الآية : ١٧٢.
(٤) ينظر أمالي المرتضى ، ٢٨ : ١. وقد جاء في معاني القرآن (٣ : ٣٩٠) : قال بعضهم : خلق الله الناس كالذر من صلب آدم ، واشهدهم على توحيده ، وهذا جائز أن يكون جعل لأمثال الذرّ فهما تعقل به أمره ، كما قال : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [النمل : ١٨] ... وقال قوم : معناه أن الله جلّ ثناؤه ، أخرج بني آدم بعضهم من ظهور بعض.
(٥) أمالي المرتضى ، ١ : ٢٨ ، وينظر تنزيه القرآن عن المطاعن ، للقاضي عبد الجبّار : ١٤.