العقول فمن حيث لا تخلو هذه الذرّيّة الّتي استخرجت من ظهر آدم عليهالسلام فخوطبت وقرّرت من أن تكون كاملة العقول ... أو لا تكون كذلك ، فإن كانت بالصفة الأولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم وإنشائهم ، وإكمال عقولهم ما كانوا عليه في تلك الحال ، وما قرّروا به ، واستشهدوا عليه ؛ لأنّ العاقل لا ينسى ما جرى هذا المجرى ، وإن بعد العهد وطال الزمان ... وإن كانوا على الصفة الثانية من فقد العقل وشرائط التكليف قبح خطابهم وتقريرهم وإشهادهم ، وصار ذلك عبثا قبيحا ، يتعالى الله عنه (١). وبعد هذا التحليل العقلي الدقيق يذكر المرتضى وجهين في معنى الآية يرجحهما ، أحدهما : أنّه تعالى لما خلقهم وركبهم تركيبا يدلّ على معرفته ويشهد بقدرته ووجوب عبادته ، وأراهم العبر والآيات في أنفسهم وفي غيرهم ، كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم ... وإن لم يكن هناك إشهاد ولا اعتراف على الحقيقة ، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٢) ، وإن لم يكن منه تعالى قول على الحقيقة ، ولا منهما جواب» (٣). ولم يبتعد الزمخشري عن هذا القول ، إذ انّه جعل الآية من باب التمثيل والتخييل قائلا : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) من باب التمثيل والتخييل ، ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلّة على ربوبيّته ووحدانيته ، وشهدت بها عقولهم وأبصارهم الّتي ركبها فيهم» (٤).
وخلاصة القول : إنّ أسلوب تفسير القرآن بالقرآن من الأساليب الّتي اعتمدها الشريف المرتضى في تفسيره وبيانه لدلالة النصّ القرآني ، إذ تميز منهجه بإيراد النصوص القرآنية ، وهو يعرض مادّته لتأكيد أحكامه في قضيّة ما ، لغوية كانت أم نحوية أم تفسيرية ، ولا أقول : إنّه أوّل من استعمل هذا الأسلوب فقد سبقه علماء التفسير واللغة ، ولكن الشيء الّذي يلاحظ أن الشريف المرتضى قد
__________________
(١) أمالي المرتضى ، ١ ـ ٢٨ : ٢٩ ، ورسائل الشريف المرتضى ، ١ ـ ١١٣ : ١١٤.
(٢) سورة فصلت ، الآية : ١١.
(٣) أمالي المرتضى ، ١ : ٣٠.
(٤) الكشّاف ، ٢ : ١٢٩.