الأفهام المختلفة ، ليأخذ كلّ فهم حصّته ...» (١) ، والعلم بالنظم القرآني هو الّذي «يبرز الأسرار والنكت في أسلوب القرآن ، ويكشف الفروق المعنوية الدقيقة بين خصوصيات التراكيب ، ويربط هذه الخصوصيات بالسياق والغرض العام» (٢). وقد تنبّه علماؤنا القدامي على أهمّيّة السياق في النصّ القرآني ، والفوائد الّتي تجتنى منه في تحديد المراد وتخصيص العامّ وتقييد المطلق ، ولذا قال الزركشي (ت ٧٩٤ ه) : «دلالة السياق ، فإنّها ترشد إلى تبيّن المجمل ، والقطع بعدم احتمال غير المراد ، وتخصيص العام ، وتقييد المطلق وتنوع الدلالة ، وهو من أعظم القرائن الدالّة على مراد المتكلّم» (٣).
فالسياق ـ إذن ـ يؤثّر تأثيرا كبيرا في تحديد المفردات القرآنية ، وذلك لخصوص الاستخدام القرآني لعدد من الألفاظ ، ولا سيّما أنّ النظم القرآني اكتسبت به قسم من الألفاظ ، دلالات خاصّة من معانيها العامّة أو صار لبعضها دلالة جديدة غير معهودة سابقا تطلبها السياق القرآني أو الجو الديني العام ، فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته ، فانظر إلى قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤) ، كيف نجد سياقه يدلّ على أنّه الذليل الحقير» (٥).
وقد وقف الشريف المرتضى عند قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٦). ويتوقّع أنّ سائلا يسأل : كيف يطابق وصفهم بالعلم هاهنا لوصفهم بالجهل في قوله تعالى : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) (٧). وفي الجواب يقول : هذه الآية معناها متعلّق بما قبلها ، لأنّه تعالى أمرهم بعبادته ، والاعتراف بنعمته ، ثمّ عدّد عليهم صنوف النعم الّتي ليست إلّا من جهته ، ليستدلوا
__________________
(١) إشارات الإعجاز في مظانّ الإيجاز : ٦٢.
(٢) البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري : ١٨٩.
(٣) البرهان في علوم القرآن ، ٢ : ٢٠٠.
(٤) سورة الدخان ، الآية : ٤٩.
(٥) بدائع الفوائد ، ٤ ـ ٩ / ١٠.
(٦) سورة البقرة ، الآية : ٢٢.
(٧) سورة الزمر ، الآية : ٦٤.