إنّ ظاهر الآيتين يشعر بوقوع المعصية من آدم عليهالسلام ، وهذا ما لا يجوز على الأنبياء عليهمالسلام ، ولذا فإنّ المرتضى يقدم أولا الدليل العقلي فيقول : قد علمنا أنّ الدلالة العقليّة الّتي قدمناها في باب أنّ الأنبياء عليهمالسلام لا يجوز عليهم الكفر والمعاصي غير محتملة ، ولا يصحّ دخول المجاز فيها ، والكلام في الجملة يصحّ فيه الاحتمال وضروب المجاز ، فلا بدّ من بناء المحتمل على ما لا يحتمل» (١). وبعد أن يفرغ من الدليل يلتفت إلى السياق اللفظي ، ليرى فيه دلالة أخرى تؤيد صحّة فهمه ، فيقول : «إنّ الكناية في قوله سبحانه : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) غير راجعة إلى آدم عليهالسلام وحوّاء ، بل إلى الذكور والإناث من أولادهما أو إلى جنسين ممّن أشرك من نسلهما ، وإن كانت الكناية الأولى تتعلّق بهما ، ويكون تقدير الكلام : فلما أتى الله آدم وحوّاء الولد الصالح الّذي تمنياه وطلباه جعل كفّار أولادهما ذلك مضافا إلى غير الله تعالى ، ويقوّي هذا التأويل قوله سبحانه : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وهذا ينبىء على أنّ المراد بالتثنية ما أردناه من الجنسين أو النوعين ، وليس يجب من حيث كانت الكناية المتقدّمة راجعة إلى آدم عليهالسلام وحوّاء أن يكون جميع ما في الكلام راجعا إليهما ؛ لأن الفصيح قد ينتقل من خطاب مخاطب إلى خطاب غيره. ومن كنايه إلى خلافها ، قال الله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (٢) فانصرف من مخاطبة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى مخاطبة المرسل إليهم ، ثمّ قال : (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) (٣) يعني الرسول ، ثمّ قال : (وَتُسَبِّحُوهُ) (٤) يعني مرسل الرسول ، فالكلام واحد متصل بعضه ببعض والكناية مختلفة كما ترى (٥).
فالمرتضى ـ هنا ـ يحتجّ بسياق الآية ويعدّ قوله تعالى : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، قرينة دلالية متّصلة تشهد بصحّة رأيه. ثمّ يلاحظ المرتضى ما في الكلام من الانتقال من خطاب إلى غيره ومن كناية عن مذكور إلى مذكور سواه ،
__________________
(١) تنزيه الأنبياء : ١٦ ـ ١٧.
(٢) سورة الفتح ، الآيتان : ٨ ـ ٩.
(٣) سورة الفتح ، الآية : ٩.
(٤) سورة الفتح ، الآية : ٩.
(٥) تنزيه الأنبياء : ١٧.