قوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وزاد معنى هذه اللفظة عليهما من حيث اقتضاء وصفه بالحكمة في سائر أفعاله وإنّما طعن بهذا الكلام من الملحدين من لا معرفة له بمعاني الكلام ، وإلّا فبين ما تضمنه القرآن من اللفظة وبين ما ذكروه فرق ظاهر في البلاغة واستيفاء المعاني والاشتمال عليها» (١).
فالشريف المرتضى ينبّه على أنّ التقاط المعنى محتاج إلى نظر في السياق ، وتأمّل في أعطافه ، والسياق ـ هنا ـ تطلب هذا اللفظ (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) دون سواه ؛ لأنّ المعنى هو تفويض الأمر إلى مالكه وتسليمه إلى مدبّره والتبرّي من أن يكون إليه شيء من أمور قومه (٢) وهذا يدلّ على دقّة القرآن الكريم في اختيار ألفاظه ، وأنّك لو غيّرت كلمة ووضعتها مكان أخرى منه لشعرت بخلل في النظم (٣) ، فالأداء القرآني يمتاز «بالتعبير عن قضايا ومدلولات ضخمة في حيز يستحيل على البشر أن يعبروا فيه عن مثل هذه الأغراض ، وذلك بأوسع مدلول وأدقّ تعبير مع التناسق العجيب بين العبارة والمدلول» (٤). وقد تنبّه القدماء على هذا الشيء ، وذكروا أنّ ألفاظ القرآن صارت بطريقة استعمالها ووجه تركيبها كأنّها فوق اللغة ، فإنّ أحدا من البلغاء لا تمتنع عليه متى أرادها ، ولكن لا تقع له بمثل ما جاء في القرآن الكريم (٥).
ويلاحظ على المرتضى ـ أحيانا ـ أنّه يستعين بالدلالة السياقية والدلالة العقليّة معا في توجيهه لدلالة النصّ القرآني ، وبخاصّة في الآيات الّتي يصطدم ظاهرها مع مبادئه العقليّة ويتّضح هذا في تفسيره لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠)) (٦).
__________________
(١) نفسه : ١٣٣ ـ ١٣٤.
(٢) ينظر تنزيه الأنبياء : ١٣٢ ـ ١٣٣.
(٣) ينظر دور الصوت في إعجاز القرآن : ١٤٥.
(٤) صفاء الكلمة : ٦.
(٥) ينظر تأويل مشكل القرآن : ٢١.
(٦) سورة الأعراف ، الآيتان : ١٨٩ ـ ١٩٠.