مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) (١). والشريف المرتضى يؤكّد مجيء فعل الرؤية بمعنى العلم والإدراك ، وإنّما اختصّ هنا بالعلم دون الإدراك ، لأن إزجاء السحاب وتأليفه وأحوال الرعد والبرق لا تدرك إنّما تعرف ، وهذا يعني ضرورة ملاءمة المعنى للسياق ، أي إن معنى اللفظ يتحدّد وفقا للسياق اللغوي الّذي يردفيه اللفظ بحيث يكون معنى اللفظ جزءا من معنى السياق ككلّ.
والشريف المرتضى في بيانه لدلالة الألفاظ القرآنية يؤكّد أنّ اللفظ القرآني يتمتّع بكثير من الخصائص الممتازة ، ومن هذه الخصائص حسن انتقاء اللفظة ، واستعمال ما هو أحقّ بالمعنى ، وقد تغيب بعض الفروق الدقيقة بين الألفاظ عن العامّة وأكثر الخاصّة ، وربّما طعن في الكلام من الملحدين من لا معرفة له بمعاني الكلام. وهو حين يقف عند قوله تعالى حاكيا عن عيسى عليهالسلام : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢) يقول : فإن قيل : فلم لم يقل وإن تغفر لهم فإنّك أنت الغفور الرحيم ، فهو أليق في الكلام ومعناه من العزيز الحكيم (٣)؟ وفي الجواب يقول : قلنا : هذا سؤال من لم يعرف معنى الآية ، لأنّ الكلام لم يخرج مخرج مسألة غفران فيليق بما ذكر في السؤال ، وإنّما ورد على معنى تسليم الأمر إلى مالكه. فلو قيل : فإنّك أنت الغفور الرحيم ، لأوهم الدعاء لهم بالمغفرة ، ولم يقصد ذلك بالكلام ، على أنّ قوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أبلغ في المعنى وأشدّ استيفاء من الغفور الرحيم ، وذلك أنّ الغفران والرحمة قد يكونان حكمة وصوابا ، ويكونان بخلاف ذلك ، فهما بالإطلاق لا يدلّان على الحكمة والحسن ، والوصف بالعزيز الحكيم يشتمل على معنى الغفران والرحمة ... ويزيد عليهما باستيفاء معان كثيرة ، لأنّ العزيز هو المنيع القادر الّذي لا يذلّ ولا يضام ، وهذا المعنى لا يفهم من الغفور الرحيم البتّة ، وأمّا الحكيم فهو الّذي يضع الأشياء مواضعها ويصيب بها أعراضها ولا يفعل إلّا الحسن الجميل ، فالمغفرة والرحمة إذا اقتضتهما الحكمة دخلتا في
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية : ٤٥.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ١١٨.
(٣) ينظر تنزيه الأنبياء : ١٣٣.