من الأوّل وأشبه بقوله : (ذا مَتْرَبَةٍ) لأنّ كلّ ذلك مبالغة في وصفه بالضرّ ، وليس من المبالغة في الوصف بالضرّ أن يكون قريب النسب. والله أعلم بمراده (١).
فالمرتضى ـ هنا ـ يؤكد أهمّيّة دلالة اللفظة المقصودة ومناسبتها لسابقاتها ولاحقاتها ، وهو يرجح دلالة على دلالة أخرى لأنّه يرى في الدلالة الراجحة أكثر ملاءمة للسياق ، وأدلّ على المعنى ، وبعبارة أخرى ، فهو يجعل السياق مدخلا لفهم المعنى «لأنّه يكشف عن نسق المعاني ويحدد أجزاءها ويربط جملة بجملة ، ثمّ يربط الجملتين أو الجمل بما قبلها» (٢) ، والسيّد المرتضى ـ كما هو واضح ـ يحاول أن يضع يده على جمالية النظم القرآني وسرّ كماله ، من خلال الوقوف على سياق الآيات وما تؤشر من أفكار ، وتومىء إليه من معان.
ويتّضح هذا الفهم لأثر السياق في تفسيره لقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) (٣). إذ نراه يقول : أمّا قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) فالمراد : ألم تعلم ؛ وإن كان هذا اللفظ مشتركا بين الإدراك والعلم ؛ وإنّما اختصّ هنا بالعلم دون الإدراك ، لأنّ إضافة إزجاء السحاب وتأليفه وجميع ما ذكر في الآية إلى الله تعالى ممّا لا يستفاد بالإدراك ، وإنّما يعلم بالأدلّة» (٤).
فالمرتضى ـ هنا ـ يؤكد أنّ السياق يخلص الألفاظ من اشتراك الدلالات وهذا هو الصحيح ، فالألفاظ المشتركة لا يمكن تحديد دلالاتها ما لم تتشح بوشاح السياق.
ويلحظ ـ هنا أنّ القرآن الكريم استعمل في مواضع متعدّدة الفعل «رأى» بصيغة المضارع للتدليل على الرؤية الفكرية لا الحسّيّة ، أو كما يعبر عنها ب «الرؤية العقلية» ، كما في الآية السابقة كما في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ
__________________
(١) أما لي المرتضى ، ٢ : ٢٩١.
(٢) البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري : ٢٠٧.
(٣) سورة النور ، الآية : ٤٣.
(٤) أما لي المرتضى ، ٢ : ٢٠٣ ، وينظر الأشباه والنظائر : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.