المقام قد لا يصل بنا إلى فهم النصوص فهما صحيحا ، ومن هنا كانت عناية العرب بأسباب النزول للإحاطة بما يرافق النصّ القرآني الكريم من ظروف وأحداث كي يصل المفسّر لآيات الله الكريمات إلى فهم صحيح. فهذه الأسباب قرائن للكشف والتفسير ، إذ تتضافر مع القرائن الأخرى ، أي إنّ «القرآن وهو أسميّ نصّ عربي يرصد القرائن الحالية الّتي تتمثّل في أسباب النزول ، ومن القرائن المقالية الّتي تتمثّل في تراكيب النصّ ، وفي الآيات الّتي تفسر آيات أخرى ما يحول بين اللبس وسياقه الكريم» (١).
ومن سياق الحال ما يعرف بالسياق الاجتماعي ، ونعني به ظرف النصّ الاجتماعي أو الموقف الاجتماعي الّذي يكتنف المقال في أثناء الحدث الكلامي ، فاللغة ظاهرة اجتماعية لا يمكن فصلها عن المجتمع والسياق الاجتماعي ، وهي نشاط اجتماعي من حيث إنّها استجابة ضرورية لحاجة الاتّصال بين الناس جميعا (٢).
ومال بعض الباحثين إلى التفريق بين المصطلحين «سياق الحال» و «السياق الاجتماعي» على أساس أنّ «سياق الحال» موقف مؤقّت يتّصف بالآنية عند النطق بالكلام أو كتابته ، في حين أنّ «السياق الاجتماعي» يتّصف بالثبات والدوام تقريبا ، فهو سياق سائد (٣). ومع ذلك فهو لا يخرج عن سياق الحال ، لأنّه لا يخرج عن مجمل الظروف والملابسات الّتي تحيط بالنصّ من الخارج.
والشريف المرتضى يعتمد هذا النوع من السياق في تفسيره للنصّ القرآني ، ويعدّه عنصرا دلاليا وقرينة لفهم الكلام. فهو حين يقف عند قوله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) (٤). نراه يتساءل فيقول : هل المراد بذلك البيوت المسكونة على الحقيقة ،
أو كنّى بهذه اللفظة عن غيرها؟ ثمّ يرجح المرتضى الدلالة الحقيقية للفظة
__________________
(١) اللغة والنقد الأدبي ، (بحث) : ١٢٢.
(٢) ينظر المدخل إلى علم اللغة : ١٢٨.
(٣) ينظر الدولة في البنية العربية : ١٢٦.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٨٩.