الفطرة على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب ، وبه قال أبو حنيفة » قلت : يمكن أن يكون مدار وجوبها عنده ذلك لا الغنى والفقر ، وفيه أيضا عن بعض أنه على هامش المبسوط أن القائل به هو المفيد والسيد ، فان صحت النسبة فلعله في غير ما حضرني من كتبهما ، لكنه في الناصرية ادعى الإجماع على خلاف هذا القول ، وفي المقنعة روى خبر يونس بن عمار (١) الظاهر في مذهب المشهور إن لم يكن الصريح.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه كضعف ما ذكر دليلا له ، وهو النبوي (٢) المروي مضمونه في نصوصنا أيضا أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال « لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فان هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ، فترد على فقرائهم » والتنافي بين وجوب دفع الزكاة عليه وجواز أخذ مالها ، وفيه أن الأخذ من الأغنياء لا ينافي الأخذ من الفقراء والاقتصار عليهم ، لكونهم الواجب عليهم غالبا ، خصوصا وغني الأعراب في ذلك الوقت يحصل بأدنى شيء ، لقلة مئونة سنتهم ، بل وربما أجيب بجواز أن يكون الغنى مشتركا بين الموجب للزكاة والمانع من أخذها ، والاشتراك وإن خالف الأصل فلا بد من المصير إليه إذا وجد الدليل عليه ، وقد وجد ، وفيه مع كونه لا يدفع ما تعطيه المقابلة أنه لا حاجة إلى دعوى الاشتراك اللفظي التي يمكن القطع بفسادها ، إذ يمكن أن يقال مع الاشتراك المعنوي أن للغنى والفقر مراتب لا تحصر ، والمراد منهما ما دل عليه الدليل فيهما من المراتب ، وأما دليل التنافي فمنعه واضح ، إذ الزكاة على الفقير كالدين لا يدفع وجوب أدائه فقره ، والعامل تدفع له
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١٠.
(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٩٦.