قلت : قد يقال : إن الثاني منهما مناف لما سمعته من الإجماع على ضمان الأخ حصص الباقين ، واحتمال إرادة تأدية المقتص له ولو إلي ورثة المقتص منه من الضمان خلاف الظاهر ، بل يمكن القطع بعدمه ، بل لعله مناف للثالث أيضا ، ضرورة تعلق الحق بذمته بعد أن كان مأذونا في الاستيفاء على الوجه المزبور ، بل لا وجه للرجوع على تركة الجاني بعد استيفاء تمام الحق منه على الوجه الشرعي كما هو المفروض.
على أنك قد عرفت أن الضمان المزبور على خلاف مقتضى القواعد وإنما كان لدليله المستفاد من حكم العفو وغيره مما سيأتي أو من الإجماع المحكي أو غير ذلك ، فيكون هو المتبع ، ومقتضاه تعلق ضمان الحصص بذمة المستوفي ، فتأمل جيدا.
وحينئذ فلو أبرأ أخاه بريء ، بخلاف ما لو أبرأ وارث الجاني الذي لا حق له عليه ، نعم لو أبرأ وارث الجاني الابن القاتل من الدية إذا قلنا بثبوتها له عليه لم يسقط النصف الذي ثبت عليه لأخيه ، وأما النصف الثابت للوارث فيبني على أن التقاص هل يحصل في الديتين بنفس الوجوب أم لا؟ فان قلنا به فالعفو لغو ، لحصول السقوط ، وإن قلنا لا يحصل حتى يتراضيا صح الإبراء وسقط ما وجب للوارث على الابن القاتل من النصف في تركة الجاني ، وإن قلنا : إن حق الذي لم يقتل في تركة الجاني لا على أخيه فلوارث الجاني على الابن القاتل دية تامة ، وله في تركة الجاني نصف الدية ، فيقع النصف في التقاص ، ويأخذ وارث الجاني منه النصف ، وحينئذ فابراء الذي لم يقتل أخاه لاغ ، لأنه لا شيء له عليه ، ولو أبرأ وارث الجاني صح ، ولو أسقط وارث الجاني الدية عن الابن القاتل فان قلنا يحصل التقاص بنفس الوجوب فقد سقط النصف كما وجب ، ويؤثر الإسقاط في النصف الآخر ، فلا يبقى