فان كان قال حقّا فقد خالفوه ، وان كان قال باطلا فقد نسبتم إليه الباطل فقد
__________________
فقال : أما الّذي عندنا فخلاف هذا :
انما مر بعض الزهاد فى زورق فلما نظر الى بناء المأمون وأبوابه صاح : وا عمراه فسمعه المأمون فأمر باحضاره ثم دعا به فلما صار بين يديه قال : ما أحرجك الى أن قلت ما قلت؟ قال : رأيت آثار الاكاسرة وبناء الجبابرة فقال له المأمون : أفرأيت ان تحولت من هذه المدينة فنزلت إيوان كسرى بالمدائن كان لك أن تعيب نزولى هناك؟ قال : لا ، قال : فأراك انما عبت اسرافى فى النفقة؟ قال : نعم ، قال : فلو وهبت قيمة هذا البناء أكنت تعيب ذاك؟ قال : لا ، قال : فلو بنى ذلك الرجل بما كنت أهب له بناء أكنت تصيح به كما صحت بى؟ قال : لا ، قال : فأراك انما قصدتنى لخاص نفسى لا لعلة هى غيرى قال : واسحاق بن ابراهيم حاضر قال : فقال : يا أمير المؤمنين مثل هذا لا يقومه القول دون السوط أو السيف ، قال : هما أرش جنايته. ثم قال له : يا هذا ان هذا أول ما بنيناه وآخره ، وانما بلغت النفقة عليه ثلاثة آلاف ألف وهو ضرب من مكايدتنا الاعداء من ملوك الامم كما ترانا نتخذ السلاح والادراع والجيوش والجموع وما بنا الى أكثرها حاجة الساعة.
وأما ذكرك سيرة عمر ـ رحمهالله ـ فانه كان يسوس أقواما كراما قد شهدوا نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحن انما نسوس أهل بزوفر وفامية ودستميسان ومن أشبه هؤلاء الذين ان جاعوا أكلوك ، وان شبعوا قهروك ، وان ولوا عليك استعبدوك ، وكان عمر يسوس قوما قد تأدبوا بأخلاق نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ الطاهرة ، وصانوا أحسابهم الشريفة ، وما أثله لهم آباؤهم فى الجاهلية والاسلام من الافعال الرضية والشيم الكريمة ونحن نسوس من ذكرنا لك من هؤلاء الاقوام الخبيثة.
قال : ثم أمر بصلته فقال : لا تعودن الى مثل هذا فتمسك عقوبتى فان الحفظة ربما صرفت رأى ذى الرأى الى هواه فاستعمله وخلى سبيل الحلم ».