قرينة على الخلاف متصلة بالكلام ، إذ مع ذكر كلمة «يرمي» في قولنا : رأيت أسداً يرمي مثلاً ، لا تكون كلمة أسد دالةً على أنّ المتكلم أراد تفهيم الحيوان المفترس كما هو ظاهر.
الدلالة الثالثة : دلالة اللفظ على كون المعنى مراداً للمتكلم بالارادة الجدية ، وهي التي تسمى عندنا بالدلالة التصديقية في قبال الدلالة الوضعية ، وعند القوم بالقسم الثاني من الدلالة التصديقية ، وهي متوقفة على عدم نصب قرينة منفصلة على الخلاف أيضاً ، مضافاً إلى عدم نصب قرينة متصلة ، فانّ القرينة المنفصلة وإن لم تكن مانعةً عن تعلّق الارادة الاستعمالية كالقرينة المتصلة ، ولذا ذكرنا في مبحث العام والخاص أنّ المخصص المنفصل لا يكون كاشفاً عن عدم استعمال العام في العموم ، ليكون مجازاً (١) ، إلاّ أنّها ـ أي القرينة المنفصلة ـ كاشفة عن عدم تعلق الارادة الجدية بالمعنى المستعمل فيه. وبعبارة اخرى : القرينة المنفصلة لا تكون مانعةً عن انعقاد الظهور للكلام ، بل مانعة عن حجّية الظهور ، بخلاف القرينة المتصلة ، فانّها مانعة عن انعقاد الظهور من أوّل الأمر.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه إذا احرز مراد المتكلم ، بأن علم عدم نصب القرينة المنفصلة ، فيؤخذ به بلا إشكال. وأمّا إذا شكّ في مراده ، فمرجع الشك إلى أحد أمرين :
الأوّل : عدم انعقاد الظهور للكلام.
الثاني : احتمال عدم كون الظاهر مراداً جدياً له.
أمّا إذا كان الشك في المراد لعدم انعقاد الظهور للكلام أصلاً ، فسبب الشك فيه أحد امور :
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٤ : ٣١٨ ـ ٣٢٢