وهو عدم وجوب التبين فلاحظ وتأمّل.
وقد يستشكل أيضاً على كون المفهوم حاكماً على التعليل : بأنّ المفهوم متفرع على المنطوق ومترتب عليه ، لأنّ دلالة اللفظ على المعنى الالتزامي فرع دلالته على المعنى المطابقي كما هو ظاهر ، فالمفهوم متأخر رتبة عن المنطوق تأخر المعلول عن علّته ، وحيث إنّ المنطوق متأخر رتبة عن التعليل لكونه معلولاً له فلا يعقل أن يكون المفهوم حاكماً على التعليل ، إذ ما يكون متأخراً عن الشيء رتبة لا يمكن أن يكون حاكماً عليه.
وهذا الاشكال مردود بوجوه :
الأوّل : أنّ تأخر المفهوم عن المنطوق إنّما هو في مقام الكشف والدلالة ، بمعنى أنّ دلالة القضيّة على المفهوم متأخرة رتبة عن دلالتها على المنطوق ، وأمّا نفس المفهوم فليس متأخراً عن المنطوق. وبعبارة اخرى : عدم وجوب التبين عن خبر العادل ليس متأخراً عن وجوب التبين عن خبر الفاسق ، وبعبارة ثالثة واضحة : حجّية خبر العادل ليست متأخرة عن عدم حجّية خبر الفاسق بل المتأخر كشف القضية عن حجية خبر العادل عن كشفها عن عدم حجية خبر الفاسق ، والحاكم على التعليل إنّما هو نفس المفهوم لا كشفه ، فما هو متأخر رتبة عن المنطوق ليس حاكماً على التعليل وما هو حاكم عليه ليس متأخراً عن المنطوق.
الثاني : أنّه لو سلّم كون المفهوم بنفسه متأخراً عن المنطوق كان ذلك مانعاً عن الحكومة بالمعنى الأوّل ، وهي أن يكون الحاكم ناظراً إلى المحكوم وشارحاً له ، باعتبار أنّ ما يكون متأخراً عن الشيء رتبةً لا يعقل أن يكون شارحاً له.
وأمّا الحكومة بالمعنى الثاني ، وهي أن يكون مفاد الحاكم خارجاً موضوعاً عن مفاد المحكوم بالتعبد فلا مانع منها ، إذ كون المفهوم متأخراً عن المنطوق رتبة لا يمنع من خروج المفهوم عن عموم التعليل موضوعاً بالتعبد كما هو واضح.