الثالث : أنّه لو سلّم كون التأخر الرتبي مانعاً عن الحكومة بكلا معنييها فانّما هو فيما إذا كان التعليل مولوياً ، بأن يكون المراد منه حرمة إصابة القوم بجهالة. وأمّا إذا كان التعليل إرشاداً إلى ما يحكم به العقل من عدم جواز العمل بما لا يؤمن معه من العقاب المحتمل فلا مانع من كون المفهوم حاكماً عليه ، إذ بعد حجّية خبر العادل كان العمل به مأموناً من العقاب وكان خارجاً عن حكم العقل موضوعاً ، وقد ذكرنا سابقاً (١) أنّ الآيات الناهية عن العمل بغير العلم ومنها التعليل في آية النبأ إرشاد إلى حكم العقل.
الوجه الثاني من الاشكال على الاستدلال بالآية الشريفة : أنّه إن اريد بالتبين المذكور في الآية خصوص العلم فيكون العمل به لا بخبر الفاسق ، إذ مع العلم الوجداني كان ضم خبر الفاسق إليه من قبيل ضمّ الحجر إلى جنب الانسان ، وحيث إنّ العمل بالعلم الوجداني واجب عقلاً كان الأمر به في الآية الشريفة إرشاداً إليه لا محالة ، ولا يستفاد المفهوم من الأمر الارشادي ، فلا مفهوم للآية الشريفة ، وإن اريد بالتبين مجرّد الوثوق يقع التنافي بين المفهوم والمنطوق بمعنى عدم إمكان العمل بهما معاً ، إذ مقتضى المنطوق حجّية خبر الفاسق الموثوق به ، بأن يكون متحرزاً عن الكذب وإن لم يكن عادلاً ، ومقتضى المفهوم حجّية خبر العادل وإن لم يحصل الوثوق به كما إذا كان معرضاً عنه عند الأصحاب ، والعلماء بين من اعتبر العدالة في حجّية الخبر ولم يكتف بمجرّد الوثوق ، وبين من اعتبر الوثوق ولم يعمل بخبر العادل الذي لا يوجب الوثوق كما إذا كان معرضاً عنه عند الأصحاب. فالجمع بين العمل بخبر الفاسق الموثوق به بمقتضى المنطوق والعمل بخبر العادل وإن لم يوجب الوثوق بمقتضى المفهوم إحداث لقول ثالث. وهذا هو المراد من عدم إمكان العمل بالمنطوق والمفهوم
__________________
(١) في ص ١٣٢ و ١٧٧