الوجه الثاني : ما أفاده شيخنا الأنصاري قدسسره (١) وملخّصه : أنّ استصحاب البراءة لو كان موجباً للقطع بعدم العقاب صحّ التمسك به وإلاّ فلا ، إذ مع بقاء احتمال العقاب بعد جريان الاستصحاب لا مناص من الرجوع إلى قاعدة قبح العقاب بلابيان ، لسدّ باب هذا الاحتمال ، ومعه كان التمسّك بالاستصحاب لغواً محضاً ، لأنّ التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان كافٍ في سدّ باب احتمال العقاب من أوّل الأمر ، بلا حاجة إلى التمسك بالاستصحاب. وعليه فإن بنينا على كون الاستصحاب من الأمارات أو قلنا بحجّية مثبتات الاصول ، حصل منه القطع بعدم العقاب وصحّ التمسّك به ، إذ عدم المنع من الفعل الثابت بالاستصحاب مستلزم للرخصة في الفعل ، فإذا فرض ثبوت الرخصة من قبل الشارع بالتعبد الاستصحابي باعتبار كونها من لوازم عدم المنع المستصحب لم يحتمل العقاب ، فانّ العقاب على الفعل مع الترخيص فيه غير محتمل قطعاً. وأمّا لو لم نقل بكون الاستصحاب من الأمارات ولا بحجية مثبتات الاصول كما هو الصحيح ، فلا يصحّ التمسك بالاستصحاب في المقام ، إذ لا يثبت به الترخيص الموجب للقطع بعدم العقاب ، ويبقى احتمال العقاب ، فنحتاج إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، ومعه كان التمسك بالاستصحاب لغواً كما تقدّم.
وفيه أوّلاً : أنّ استصحاب عدم المنع كافٍ في القطع بعدم العقاب ، إذ العقاب من لوازم المنع عن الفعل وتحريمه ، فمع إحراز عدم المنع عن الفعل بالاستصحاب نقطع بعدم العقاب ، بلا حاجة إلى إحراز الرخصة التي هي من لوازم عدم المنع ليكون مثبتاً.
وثانياً : أنّه يمكن جريان الاستصحاب في نفس الترخيص الشرعي المتيقن
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٣٧٨