وثالثاً : أنّ التمثيل بمسألة القراءة والائتمام للمقام غير صحيح ، لأنّ المكلف مكلف بطبيعي الصلاة ، وله أن يوجده في ضمن أيّ فرد من أفراده ، فهو مخيّر بين الاتيان بالصلاة فرادى فتجب عليه القراءة ، والاتيان بها جماعة فيتحملها الإمام عنه ، فليس هناك ترديد ودوران بين التخيير والتعيين ، بل التخيير بين هذين الفردين من الكلّي ثابت ومعلوم ، مع كون أحدهما أفضل من الآخر كالتخيير في سائر الجهات والخصوصيات المتفاوتة في الفضيلة أو في بعض الأحكام ، فانّ المكلف مخيّر بين الاتيان بالصلاة في البيت والاتيان بها في المسجد ، مع التفاوت بينهما في الفضيلة. وعليه فلو تعذّر الاتيان بفرد لا إشكال في وجوب الاتيان بفرد آخر ، فانّه لا ريب في تعيّن الاتيان بالصلاة في البيت على تقدير تعذّر الاتيان بها في المسجد وبالعكس ، ففي المقام لا ينبغي الاشكال في وجوب الاتيان بالصلاة جماعةً على تقدير تعذّر الاتيان بها فرادىً ، لعدم القدرة على القراءة. هذا ما تقتضيه القاعدة ، إلاّ أنّه وردت نصوص كثيرة (١) تدل على جواز الاكتفاء بما يحسنه من القراءة عند تعذّر الجميع ، وإلاّ فيكتفي بما تيسّر له من القرآن ، ولولا هذه النصوص لكان مقتضى القاعدة هو وجوب الائتمام على من لم يتمكن من القراءة الصحيحة.
وأمّا الصورة الثالثة : فذهب جماعة من المحققين إلى أنّ المرجع فيها أصالة الاشتغال والحكم بالتعيين ، واستدلّ عليه بوجوه :
الوجه الأوّل : ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (٢) من أنّ دوران
__________________
(١) الوسائل ٦ : ٤٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣ ح ١ ، الوسائل ٦ : ١٣٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٩ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٢٢١ / أبواب قراءة القرآن ب ٣٠ ح ٤
(٢) كفاية الاصول : ٣٦٧