كان ما يحتمل وجوبه مبايناً في الماهية لما علم وجوبه في الجملة ولم يكن بينهما جامع عرفي ، نظير ما تقدّم من المثال في كفّارة تعمّد الافطار. وقد ذكر في محلّه (١) أنّ الوجوب التخييري في هذا القسم يتعلّق بالجامع الانتزاعي المعبّر عنه بأحد الشيئين أو أحد الأشياء.
أمّا في موارد احتمال التخيير العقلي ، فتعلّق التكليف بالجامع معلوم ، وإنّما الشك في كونه مأخوذاً في متعلق التكليف على نحو الاطلاق واللا بشرط ، أو على نحو التقييد وبشرط شيء ، إذ لا يتصور الاهمال بحسب مقام الثبوت ، والاطلاق والتقييد وإن كانا متقابلين ولم يكن شيء منهما متيقناً ، إلاّ أنّك قد عرفت سابقاً (٢) أنّ انحلال العلم الاجمالي غير متوقف على تيقن بعض الأطراف ، بل يكفي فيه جريان الأصل في بعض الأطراف بلا معارض. وقد سبق أنّ جريان أصالة البراءة العقلية والنقلية في جانب التقييد غير معارض بجريانها في طرف الاطلاق ، فإذا ثبت عدم التقييد ظاهراً لأدلة البراءة لا يبقى مجال لدعوى رجوع الشك إلى الشك في الامتثال ، ليكون المرجع قاعدة الاشتغال ، فانّ الشك في الامتثال منشؤه الشك في إطلاق الواجب وتقيده ، فإذا ارتفع احتمال التقيد بالأصل يرتفع الشك في الامتثال أيضاً.
ومن ذلك يظهر الحال في موارد احتمال التخيير الشرعي ، وأنّ الحكم فيه أيضاً هو التخيير ، لأنّ تعلّق التكليف بعنوان أحد الشيئين في الجملة معلوم ، وإنّما الشك في الاطلاق والتقييد فتجري أصالة البراءة عن التقييد ، وبضم الأصل إلى الوجدان يحكم بالتخيير.
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٣ : ٢٢٢ وما بعدها
(٢) في ص ٥٠٢ ـ ٥٠٣