ثمّ قال وفاقاً للتذكرة : وفي الحقيقة دعوى الصبي البلوغ بالاحتلام وغيره أو مطلقاً ليس إقراراً ؛ لأن الإقرار إخبار عن ثبوت حقّ عليه للغير ، ونفس البلوغ ليس كذلك ، ولهذا يطالب مدّعي البلوغ في السن بالبيّنة ، واختلفوا في تحليف مدّعيه بالاحتلام ، والمقرّ لا يكلّف البيّنة ولا اليمين. نعم قد يتضمّن الإقرار من حيث إنّه يستلزم الاعتراف بالحقوق المنوطة بالبلوغ ، وذلك لا يقتضي كونه بنفسه إقراراً.
ثمّ قال أيضاً موافقاً للتذكرة : وأيضاً فإنه على تقدير قبول قوله يحكم ببلوغه سابقاً على قوله ، فلا يكون إقراره إقرار الصبي إلا من حيث الظاهر ، ولكن الأمر هنا سهل ؛ لجواز وصفه بالصبي من هذا الوجه ، فإنّه حال الإقرار كان محكوماً بصباه ، وإنّما كشف تمام إقراره عن عدم صباه ، وذلك حكم متأخّر عن حالة الإقرار (١).
أقول : الصبيّ المذكور حين الإقرار صبيّ ، وثبوت كون إقراره في حال البلوغ بقول نفسه موقوف على كون قوله مقبولاً حين الإقرار ، وهو أوّل الكلام.
والظاهر عدم الفرق بين كون إخباره من باب الدعوى أو الإقرار أو مطلق الإخبار ، وكلّها مشروطة بالكمال.
والقول «بأنّ الصبي إذا كان عاقلاً يشمله عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، فإن العقل قد ينفك عن البلوغ» مما لا أجد له مسرحاً في النظر السليم ؛ إذ هو مستلزم للتخصيص الذي لا يرضى به المحقّقون بالنسبة إلى هذا النوع من أنواع العام ؛ إذ لا ريب في عدم سماع إقرار الصبي إلا في مثل الوصيّة بالمعروف عند من جوّزها له.
فالأظهر عدم قبول قوله ، إلا بالبيّنة أو الشياع ؛ لأنّ الأصل عدم ثبوت حقّ على غيره في صورة كون إخباره من باب الدعوى ، وكون غرضه إثبات حقّ على الغير.
وتقديم قول أحد المتداعيين إذا كان قوله مما لا يطّلع عليه أحد غيره ، إنما يعتبر فيما
__________________
(١) المسالك ١١ : ١٠٠.