وذهب الشهيد الثاني رحمهالله إلى جواز الاتصاف (١) ؛ لأنّه من أحكام الوضع ، ولا يختصّ بأفعال المكلّفين.
وذلك لا يتمّ مطلوبه إلا أن يقول : إنّ المراد موافقة الأمر التمريني الصادر من الولي ، وهو تكلّف واضح ، وخلاف مصطلحهم في الصحّة.
وإن أراد موافقة الأمر النفس الأمري المتعلّق بالمكلّفين ، يعني ما يفعله الصبي موافقاً لذلك الأمر فهو صحيح ، فمع أنّ الموافقة له لا تتمّ إلا بقصد القربة ، فإنّه مأخوذ في الأمر النفس الأمري ، ومعتبر في الصحّة على مصطلحهم. وإن قلنا بأنّ النيّة خارجة وشرط لا جزء ؛ خلاف المتبادر من اصطلاحهم في الصحّة ، فإنّ مرادهم في الاصطلاح موافقة الأمر المتعلّق بفاعل الصحيح ، لا الأمر المتعلّق بالغير.
ثمّ إنّ بعض الأُصوليين ذهب إلى أنّ الصحّة والبطلان بمعنى موافقة الأمر ومخالفته حكم عقلي محض ، وليس بوضعي ؛ لأنّ الحاكم بذلك إنّما هو العقل ، ولا يحتاج إلى توقيف الشارع.
قلت : قد يبتدئ الشارع بحكم الصحّة من دون مسبوقيّة ببيان وجه الصحّة من الأمر به ، فيقول : «إذا فعل كذا كان صحيحاً» فهذا كاشف عن الأمر والخطاب الذي هو مخفيّ على المكلّف ، فلا يطّلع عليه إلا بوضع الشارع ، فيكون حكماً وضعياً.
__________________
(١) تمهيد القواعد : ٣١ ، ٣٧.