وكذلك أيضا استدلّوا بقوله تعالى. (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (١). قالوا معناه : بل يزيدون ، ولا يتصوّر هنا الشك لأن الشك من الله تبارك وتعالى مستحيل.
قلت : والجواب عن هذا أنّ الشك قد يرد من الله تعالى بالنظر إلى المخاطبين ، كأنه قال : وأرسلناه إلى مائة ألف ، جمع تشكّون في مبلغه ، فيكون نظير قوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٢) ، والله تعالى قد علم أنّه لا يتذكر ولا يخشى ، كأنّه قال له ـ وهو أعلم ـ لعلّه يتذكر أو يخشى على رجائكما وطمعكما.
ويحتمل أن تكون «أو» من قوله : «أو يزيدون» ، للإبهام.
______________________
ـ ولسان العرب ١١ / ١٢٣ (جلل) ، ١٥ / ٤٣٠ (أ) ، ٤٩١ (يا) ؛ واللمع ص ١٩٣ ، ٢٧٧ ؛ ومعجم ما استعجم ص ٣٨٨ ؛ والمقتضب ١ / ١٦٢ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٤٥٧ ، ٢ / ٦٧٧ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٢١٠ ؛ والجنى الداني ص ١٧٨ ، ٤١٩ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٢٤٧ ، ١١ / ٦٧ ؛ ورصف المباني ص ٢٦ ، ١٣٦ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٦٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٢.
اللغة : الوعساء : رملة. جلاجل : جبل بالدهناء.
المعنى : أيهما أجمل أهذه الظبية المتنقلة بين رمال جبال الدهناء أم أم سالم تلك المرأة الحسناء.
الإعراب : «فيا» : «الفاء» بحسب ما قبلها ، «يا» : حرف نداء. «ظبية» : منادى مضاف منصوب بالفتحة الظاهرة في محل نصب. «الوعساء» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. «بين» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة الظاهرة متعلق بحال محذوفة من «ظبية». «جلاجل» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. «وبين» : الواو عاطفة ، «بين» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب معطوف على الظرف السابق. «النقا» : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر. «آأنت» : حرف المد : حرف استفهام ، «أنت» : ضمير منفصل مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. «أم» : حرف عطف. «أمّ» : اسم معطوف على (أنت) مرفوع بالضمة. «سالم» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «يا ظبية الوعساء» : بحسب ما قبلها. وجملة «آأنت ...» مع الخبر المحذوف : استئنافية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله : «أأنت أم أمّ سالم» : أخرج الكلام مخرج الشك وإن لم يكن هناك شك ؛ ليدل على قوة الشبه. ويسمى ذلك «تجاهل العارف». فالشاعر يعرف أن أم سالم أجمل ، لكنه تجاهل ليأخذ الإقرار بأنها أجمل.
(١) الصافات : ١٤٧.
(٢) طه : ٤٤.