كان الوجه أن يقول : «ما لم يعاصيا» ، فأفرد وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه تقديره : إنّ شرخ الشباب ما لم يعاص كان جنونا والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا.
و «حتى» في ذلك بمنزلة الواو.
فإن كان العطف بالفاء جاز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم بمنزلة الواو ، فتقول : «زيد فعمرو قاما» ، لكون الأول شريك الثاني في اللفظ والمعنى. ويجوز أن تقول : «زيد فعمرو قام» ، فتفرد وتحذف من الأول لدلالة الثاني عليه. وإنّما جاز ذلك لأنّ الفاء لما فيها من الترتيب تقتضي إفراد خبر الأول من خبر الثاني ، وكلاهما حسن.
وإن كان العطف بـ «ثمّ» جاز الوجهان معا ، والأحسن الإفراد لما في «ثمّ» من المهلة الموجبة لفصل خبر الأول من الثاني ، فتقول : «زيد ثمّ عمرو قام» ، وهو الأحسن ، ويجوز أيضا : قاما.
وإن كان العطف بغير ذلك من حروف العطف فإنّما يكون الضمير على حسب المتأخر خاصة ، فتقول : «زيد أو عمرو قام» ، و «زيد لا عمرو قام».
وكذلك سائر ما بقي من حروف العطف. وإنّما لم يجز أن تقول : «قاما» ، فتجعل الضمير على حسب ما تقدم لأنّ «أو» لا يكون ما بعدها شريك ما قبلها في المعنى ، ألا ترى أنّ القائم إنّما هو أحدهما لا غير ، ولا يجوز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم إلا في «أو» خاصة ، وذلك شذوذ لا يقاس عليه. قال الله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى
______________________
ـ الإعراب : إن شرخ : حرف مشبّه بالفعل ، واسمها المنصوب بالفتحة. الشباب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والشعر : «الواو» : حرف عطف ، «الشعر» : معطوف على (شرخ) منصوب بالفتحة. الأسود : صفة (الشعر) منصوبة بالفتحة. ما لم : «ما» : حرف مصدري وزماني ، «لم» : حرف جزم وقلب ونفي. يعاص : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة من آخره (الألف المقصورة) ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، و «اسمه» : ضمير مستتر تقديره (هو). والمصدر المؤول من (ما) والفعل (يعاص) مفعول فيه ظرف زمان متعلق بالفعل (كان). جنونا : خبر كان منصوب بالفتحة.
وجملة «إنّ شرخ الشباب ... كان» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «ما لم يعاص» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «كان جنونا» : في محل رفع خبر «إن».
والشاهد فيه قوله : «ما لم يعاص» حيث أفراد مع أنه ذكر مثنى (شرخ الشباب والشعر الأسود) وقدّر المراد : إن شرخ الشباب ما لم يعاص ، والشعر الأسود ما لم يعاص ، كان ذلك جنونا.