فعطف «نارا» على قوله : «توقّد بالليل نارا» ، لا على أنه عطف قوله : «ونار» على «امرىء» و «نارا» على قوله «امرأ» لما في ذلك من العطف على عاملين.
فإن قلت : إنما يثبت امتناع العطف على عاملين فصاعدا من طريق أنّه يؤدّي إلى أن يكون للحرف في حين واحد أزيد من معنى واحد. وقد وجدنا الحرف الواحد يعطي خمسة معان في حين واحد ، ألا ترى أنّ الواو في قولك : «الزيدون» ، تعطي الجمع والسلامة والإعراب والعقل والتذكير. فالجواب : إنّ الواو إنّما أعطت الجمع خاصّة بدليل أنّها لو زالت لبطل معنى الجمع ؛ وأمّا الإعراب فقد تبيّن أنه بالتغيير والانقلاب ، وأما السلامة والتذكير والعقل فلا تعطي شيئا من ذلك الواو ، بدليل أنّها لو زالت من الجمع لبقي الاسم لمذكر عاقل سالم ، فهذه الواو مصاحبة لهذه الخمسة الأشياء ، فلا تعطي منها إلا معنى واحدا وهو الجمع.
فإذا نفيت في هذا الباب فمذهب المازني ، رحمهالله ، أن الكلام يكون بعد دخول حرف النفي عليه على حسب ما كان قبل دخوله. فنقول في نفي : «قام زيد فعمرو» : «ما قام زيد فعمرو» ، وفي نفي : «مررت بزيد وعمرو» : «ما مررت بزيد وعمرو».
وفي نفي : «قام زيد ثمّ عمرو» : «ما قام زيد ثمّ عمر». وسيبويه يوافقه في ذلك كلّه إلّا في الواو إذا قلت : «مررت بزيد وعمرو» ، فإنّه يفصل ، فيقول : لا يخلو أن يكون الكلام على فعلين أعني أن يكون مررت بزيد على حدته ومررت بعمرو على حدته ، أو يكون على فعل واحد أعني أن يكون مررت بزيد وعمرو على مرور واحد. فتقول في النفي إذا عنيت مرورين : ما مررت بزيد وما مررت بعمرو ، فتكرر الفعل ، وتقول في النفي إذا عنيت مرورا واحدا : «ما مررت بزيد وعمرو».
______________________
ـ ضمير مستتر تقديره : «هي». «بالليل» : جار ومجرور متعلّقان بـ «توقّد». «نارا» : مفعول به منصوب.
وجملة : «تحسبين» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «توقّد» في محل جرّ نعت «نار».
الشاهد فيه قوله : «ونار» حيث حذف المضاف «كلّ» وأبقى المضاف إليه مجرورا كما كان قبل الحذف ، وذلك لأنّ المضاف المحذوف معطوف على مماثل له ، وهو : «كلّ امرىء». وانظر ما قاله المؤلف في المتن.