وكذلك استدل بقوله تعالى : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ) (١). ثم قال بعد ذلك : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) (٢). في قراءة من قرأ بخفض «آيات» ، فنابت الواو من «تصريف» مناب «في» ومناب «إنّ» كأنه قال : وإنّ في تصريف الرياح آيات. والجواب : إنّ الآية تتخرّج على أن تكون «آيات» توكيدا لآيات المتقدمة لا معطوفة عليها. فلم يعطف إذن إلّا «تصريف الرياح» على «السماوات» ، فنابت الواو مناب «في» خاصة ، وأما البيت فيتخرّج على أن يكون الأصل : وبجنبيه حرّ النار ، فنابت الواو مناب «باشر» خاصة ، فحذفت الباء ، ولم ينب منابها حرف العطف ، فيكون من باب :
رسم دار وقفت في طلله (٣)
يريد : ربّ رسم دار ، فحذف «ربّ» من غير أن ينيب شيئا منابها ، وأبقى عملها. ومن قبيل قولهم : «خير عافاك الله» ، يريد : بخير عافاك الله ، فحذف الباء من «بخير» من غير أن يعوّض عنها شيئا ، وأبقى عملها ، ولذلك قلّ وجود مثل هذا ولم يجىء إلّا نادرا في الشعر ، وعلى ذلك ينبغي أن يحمل قول الآخر [من المتقارب] :
١٦١ ـ أكلّ امرىء تحسبين امرأ |
|
ونار توقّد بالليل نارا |
______________________
(١) الجاثية : ٣.
(٢) الجاثية : ٥.
(٣) تقدم بالرقم ١٢٠.
١٦١ ـ التخريج : البيت لأبي دؤاد في ديوانه ص ٣٥٣ ؛ والأصمعيات ص ١٩١ ؛ وأمالي ابن الحاجب ١ / ١٣٤ ، ٢٩٧ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٥٩٢ ، ١٠ / ٤٨١ ؛ والدرر ٥ / ٣٩ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٥٦ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٩٩ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٠ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٠٠ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٢٦ ؛ والكتاب ١ / ٦٦ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٤٤٥ ؛ ولعدي بن زيد في ملحق ديوانه ص ١٩٩ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ٤٩ ؛ والإنصاف ٢ / ٤٧٣ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٤١٧ ، ٧ / ١٨٠ ؛ ورصف المباني ص ٣٤٨ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٥ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٩٩ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٧٩ ، ١٤٢ ، ٨ / ٥٢ ، ٩ / ١٠٥ ؛ والمحتسب ١ / ٢٨١ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٩٠ ؛ والمقرب ١ / ٢٣٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٥٢.
شرح المفردات : تحسبين : تظنّين. توقد : أي تتوقّد ، أي تشتعل.
المعنى : يقول : لا تحسبي أنّ كل من كان على هيئة رجل هو رجل ، ولا كلّ نار هي نار ، وإنما الرجل هو من تحلّى بالصفات الحقيقيّة للرجل ، والنار هي التي توقد للقرى.
الإعراب : «أكلّ» : الهمزة : للاستفهام ، «كلّ» : مفعول به مقدّم ، وهو مضاف. «امرىء» : مضاف إليه. «تحسبين» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والياء في محلّ رفع فاعل. «امرأ» : مفعول به منصوب. «ونار» : الواو حرف عطف ، «نار» : معطوف على «امرىء» مجرور. «توقد» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ـ