فيجيء حرف واحد يعطي في حين واحد أزيد من معنى واحد. وحرف واحد لا يدلّ في حين واحد على أزيد من معنى واحد.
فإن أردت أن تعطف في هذه المسألة فلا بدّ من ذكر الباء ، فتقول : «مرّ زيد بعمرو وببكر خالد» ، حتى لا تنوب الواو إلّا مناب عامل واحد.
وأبو الحسن الأخفش يجيز ذلك ويقول : لمّا ناب حرف العطف مناب عامل واحد ، فكذلك ينوب مناب أزيد ، إلّا أنه إذا اجتمع له في العطف مخفوض وغير مخفوض قدّم المخفوض على غيره ، ولا يجيز غير ذلك ، وذلك نحو : «مرّ زيد بعمرو وبكر خالد» ، ولا يجيز : وخالد بكر ، لئلا يكون كأنّك قد فصلت بين الخافض والمخفوض ، ألا ترى أن بكرا كأنّه مخفوض بالواو. ويستدل على ذلك بقول الفرزدق [من الطويل] :
١٦٠ ـ وباشر راعيها الصّلى بلبانه |
|
وجنبيه حرّ النّار ما يتحرّف |
فعطف «وجنبيه» على «لبانه» ، وعطف «حر النار» على «الصلى» ، ونابت الواو مناب باشر ومناب الباء.
______________________
١٦٠ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢٨.
اللغة : الصلى والصلاء (بفتح الصاد وكسرها) : مقاساة حرّ النار. اللبان : الصدر. يتحرّف : يبتعد وينحرف.
المعنى : كاد الراعي يلامس النار بصدره وكفّيه ، بسبب شدّة البرد ، لا يحيد عنها ولا يبتعد.
الإعراب : وباشر : «الواو» : حرف عطف ، «باشر» : فعل ماض مبني على الفتح. راعيها : فاعل مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «ها» : ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. الصلى : مفعول به منصوب بالفتحة. بلبانه : جار ومجرور متعلّقان بـ (باشر) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وجنبيه : «الواو» : للعطف ، «جنبيه» : اسم معطوف على (لبانه) مجرور بالياء لأنه مثنى ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. حرّ : اسم معطوف على (الصلى) منصوب بالفتحة ، أو بدل من (الصلى). النار : مضاف إليه مجرور بالكسرة. ما يتحرف : حرف نفي ، فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره «هو».
وجملة «باشر» : معطوفة على جملة «وراحت» في البيت السابق لا محلّ لها. وجملة «ما يتحرف» : في محلّ نصب حال.
والشاهد فيه قوله : «الصلى بلبانه وجنبيه حرّ النار» حيث عطف (جنبيه) على (لبانه) دون تكرار الخافض ، وعطف (حرّ النار) على (الصلى) بدون حرف عطف.