حال الإفراد قال في الجمع : بتع ، بصع.
وهذه الألفاظ تنقسم قسمين ، قسم يراد به العموم والإحاطة ، وقسم لا يراد به ذلك.
فالذي يراد به الإحاطة والعموم : «كلّ» وما في معناها ، والذي لا يراد به الإحاطة والعموم : النفس والعين وتثنيتهما وجمعهما.
فالذي يراد به العموم لا يؤكّد به إلّا ما يتبعض بذاته كالدراهم ، لأنّها تتبعّض مع كلّ عامل ، أو بحسب عامله ، نحو : «رأيت زيدا» ، ألا ترى أنّ «زيدا» يتبعّض مع «رأيت» ولا يتبعض مع تكلّم. فتبعّض «زيد» إذن بحسب العامل الداخل عليه ، فتقول : «قبضت الدراهم كلّها» ، و «رأيت زيدا كلّه».
والذي لا يراد به العموم يؤكّد به ما يتبعض وما لا يتبعّض ، تقول : «تكلّم زيد نفسه» ، و «قبضت المال نفسه».
فائدة التأكيد بالنفس رفع ما يحتمله المخبر عنه من أن لا يكون صاحب حقيقة ، ألا ترى أنّك تقول : «ضربت زيدا» ، فيحتمل أن يكون المضروب زيدا نفسه أو من هو بسببه. فإذا قلت : «ضربت زيدا نفسه» ، كان المضروب «زيدا» لا غيره. وفائدة التوكيد بـ «كلّ» وما في معناها رفع ما كان يحتمله اللفظ من إرادة البعضيّة به.
ألا ترى أنّك إذا قلت : قبضت المال ، احتمل أن يكون المقبوض بعضه وأن يكون جميعه ، فإذا قلت : «قبضت المال كلّه» ، ارتفع ذلك الاحتمال ، وثبت أنّ المراد الجميع.
وإذا اجتمعت هذه الألفاظ في التوكيد بدأت بالنفس ثمّ بالعين ثم بكل ثم بأجمع ثمّ بأكتع. وأما «أبصع» و «أبتع» عند من يزيدهما فلا تبال أيّهما قدّمت على الآخر. فإن لم تأت بالنفس أتيت بما بقي على الترتيب المتقدم. فإن لم تأت بالعين ولا بالنفس أتيت بما بقي على الترتيب المتقدّم. فإن لم تأت بكلّ أتيت بـ «أجمع» وما بقي ، فإن لم تأت بـ «أجمع» لم تأت بما بعده ، وسبب ذلك أن «أكتع» تابع لـ «أجمع» فلا يؤتى به إلّا بعده ، إذ لا يجوز أن يؤتّى بالتابع المرفوع على التبعية دون المتبوع.
ف «أكتع» بمنزلة «بسن» من قولك : «زيد حسن بسن» (١) ، فكما لا يؤتى بـ «بسن» إلا بعد
______________________
(١) «بسن» كلمة لا معنى لها ، وإنّما أتي بها في هذا القول للإتباع.