فأكدّ «فرعا» وهو نكرة بأجمع ، وبقول الآخر [من الرجز] :
١٧٥ ـ يا ليتني كنت صبيّا مرضعا |
|
تحملني الذلفاء حولا أجمعا |
فأكد «حولا» وهو نكرة بأجمع.
والصحيح أنّه لا يجوز توكيد النكرة أصلا لا بالنفس ولا بالعين لما ذكرنا. ولا بـ «كلّ» ولا ما في معناها ، لأن أسماء التأكيد كلّها معارف إمّا بالإضافة ، نحو : نفسه وعينه وكله ، وإمّا بالعلميّة ، نحو : أجمع وأكتع ، أو بنيّة الإضافة تريد أجمعه وأكتعه. وسنبيّن الصحيح من ذلك إن شاء الله تعالى.
والتأكيد يشبه النعت في أنّه تابع من غير واسطة حرف ومن غير أن ينوى بالأول الطرح ، وكما أنّ النكرة لا تنعت بالمعرفة فكذلك لا تؤكّد بشيء من هذه الأسماء. فأمّا ما أنشدوا من قوله : «حولا أكتعا» ، و «يوما أجمعا» ، و «فرع أجمع» ، فشاذ وينبغي أن يحمل على البدل لا على التأكيد لما ذكرنا من امتناع تأكيد النكرة بهذه الأسماء. فإذا خرجت إلى
______________________
١٧٥ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الدرر ٦ / ٣٥ ، ٤١ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ١٦٩ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٦ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٦٢ ، ٥٦٥ ؛ ولسان العرب ٨ / ٣٠٥ (كتع) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٩٣ ؛ والمقرب ١ / ٢٤٠ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٢٣ ، ١٢٤.
اللغة : الذلفاء : اسم امرأة. الحول : العام.
الإعراب : «يا» : حرف نداء ، والمنادى محذوف. «ليتني» : حرف مشبّه بالفعل ، والنون للوقاية ، والياء ضمير في محلّ نصب اسم «ليت». «كنت» : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير في محلّ رفع اسم «كان». «صبيّا» : خبر «كان» منصوب. «مرضعا» : نعت «صبيا» منصوب. «تحملني» : فعل مضارع مرفوع ، والنون للوقاية ، والياء ضمير في محلّ نصب مفعول به. «الذلفاء» : فاعل مرفوع. «حولا» : ظرف زمان متعلّق بـ «تحمل». «أجمعا» : توكيد معنوي لـ «حولا».
وجملة : «كنت صبيا ...» في محلّ رفع خبر «ليت». وجملة : «تحملني ...» في محلّ نصب نعت «صبيا».
الشاهد فيه قوله : «حولا أجمعا» حيث أكّد النكرة المحدودة بـ «أجمعا» على المذهب الكوفيّ. والبصريّون لا يجيزون تأكيد النكرة محدودة كانت أو غير محدودة.