أمّا أفعل فإنه امتنع من الصرف لوزن الفعل والتعريف ، فإن قيل : فبم تعرّف أجمع وأكتع؟ فالجواب : إنّ في ذلك خلافا : منهم من جعل تعريفهما بالعلميّة كأنّه علّق على معنى الإحاطة لما يتبعه. ومنهم من جعل تعريفهما بنيّة الإضافة لأنّك إذا قلت : «قبض المال أجمع» ، فمعناه : أجمعه. فإن قيل : فكيف امتنع من الصرف على هذا والتعريف المانع للصرف إنّما هو تعريف العلميّة؟ فالجواب : إنّ هذا التعريف قد يمنع لشبهه بتعريف العلميّة من حيث لم تكن له أداة يتعرّف بها في اللفظ كما أنّ «سحر» ، إذا أردته ليوم بعينه امتنع من الصرف للعدل ، وشبّه تعريفه بتعريف العلميّة من حيث كان تعريفه بغير أداة في اللفظ ، وإن كان تعريفه في رتبة تعريف ما فيه الألف واللام.
وأما «جمعاء» و «كتعاء» فامتنعا من الصرف لأجل الهمزة ، وهي تمنع الصرف وحدها من غير علّة تضاف إليها.
وأما «جمع» فامتنع من الصرف للعدل والتعريف المشبه لتعريف العلميّة ، لأنّ «جمع» لا يتصور أن يكون علما لأنّه جمع ، والجموع لا تكون أعلاما ، فلم يبق إلّا أن يكون معرّفا بنيّة الإضافة ، وكذلك «كتع» ألا ترى أنّ قولك : «مررت بالهندات جمع كتع» معناه : جمعهنّ كتعهنّ.
فإن قيل : فعن أيّ شيء عدل؟ فالجواب : إنّ فيه خلافا ، فمنهم من قال : هو معدول عن «فعالى» ، وذلك أنّ «جمعاء» اسم كصحراء ، بدليل أنّ التوكيد قد يكون بالجوامد كالنفس والعين ، فليس حكمه حكم النعت ، فإذا كان بمنزلة «صحراء» كان القياس أن يقال في جمعه : جماعى كصحارى ، فعدل عن ذلك إلى «جمع».
ومنهم من قال : إنّه معدول عن «جمع» الساكن العين إلى «جمع» ، وجعل «جمعاء» بمنزلة «حمراء» لشبهها بها في أنّها تابعة ، وفي أنها مشتقة ، وفي أن مذكّرها على وزن «أفعل» ، فإذا كانوا قد جمعوا «أحوص» الذي هو علم على «حوص» وأجروه في ذلك مجرى الصفة ، فالأحرى أن يفعل ذلك في هذا. وهذا عندي أولى ، لأنّه قد ثبت العدل في كلامهم من «فعل» الساكن العين إلى «فعل» ، قالوا : «ثلاث درع» ، وهو جمع «درعاء» (١) ، وكان
______________________
(١) الأدرع من الخيل وغيره : ما اسودّ رأسه وابيضّ سائره.