والواحد الذي ورد به السماع واختلف فيه بدل البداء ، وهو أن تبدل اسما من اسم بشرط أن يكون الأول قد بدا لك في ذكره ، وذلك نحو ما ذكره أبو زيد من قولهم : «أكلت لحما سمكا تمرا» ، وذلك أنّه أخبر أولا عن أكله اللحم ، ثم بدا له في ذلك ، فأخبر عن أكله السمك ثم بدا له فأخبر عن أكله التمر ، وقول الشاعر [من الرجز] :
١٨٤ ـ ما لي لا أبكي على علّاتي |
|
صبائحي غبائقي قيلاتي |
وذلك أنّه أبدل «الصبائح» من «العلّات» أوّلا ، فكأنه قال : ما لي لا أبكي على صبائحي ، ثم بدا له في ذلك فأبدل الغبائق.
ومن الناس من جعل هذا من باب العطف ، وحذف منه حرف العطف. والصحيح أنّ الوجهين ممكنان.
والذي يستدل به على بدل البداء قوله عليهالسلام : «إنّ الرجل ليصلّي الصلاة وما كتب له نصفها ثلثها ربعها إلى العشر» إذ معلوم أنه ليس المعنى : وما كتب له النصف مع الثلث وكذلك مع سائر الأجزاء ، لأنّ ذلك لا يوجد لشيء من الأجزاء واحد ، وأيضا فإنه مناقض لمقصود الحديث من أنّ الرجل قد يصلّي الصلاة وما كتب له إلّا بعضها ، وكأنّه لما قال : إنّ الرجل ليصلّي الصلاة وما كتب له نصفها ، أضرب عن ذلك ، وأخبر أنّه قد يصلّي
______________________
١٨٤ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الخصائص ١ / ٢٩٠ ، / ٢٨٠ ؛ ورصف المباني ص ٤١٤ ؛ ولسان العرب ٢ / ٥٠٣ (صبح) ، ١٠ / ٢٨٢ (غبق) ، ١١ / ٥٧٩ (قيل).
اللغة : علاتي : جمع علّة وهي ما يتعلّل به. الصبائح : جمع الصبوح وهو ما حلب من اللبن صباحا. غبائقي : جمع غبوق وهو ما يشرب بالعشيّ. قيلاتي : جمع قيلة وهي ما يشرب وقت الظهيرة (القائلة).
المعنى : كيف لا أبكي على فقداني ما أسكّن به عطشي في الصباح والظهر والمساء؟!
الإعراب : ما لي : «ما» : اسم استفهام مبني على السكون في محلّ رفع مبتدأ ، و «لي» : جار ومجرور متعلقان بخبر (ما) المحذوف (ما حال لي). لا أبكي : «لا» : حرف نفي ، «أبكي» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). على علاتي : جار ومجرور متعلّقان بـ (أبكي) ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. صبائحي : بدل من (علاتي) وكذلك غبائقي وقيلاتي ؛ أو هي معطوفة عليها ولكن حذفت حروف العطف.
وجملة «ما لي» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «أبكي» : في محلّ نصب حال.
والشاهد فيه قوله : «على علاتي صبائحي غبائقي قيلاتي» حيث جاء ببدل البداء فعدّده.