ولا عنها ، وذلك مع التركيب بالعطف. فإن لم تعطف بعضها على بعض كانت موقوفة ، فقلت : واحد اثنان ثلاثة أربعة. وكذلك المبتدأ ارتفع لتعريه مع تركيبه بالإخبار عنه ، إذن قد ثبت أنّ التعرّي رافع.
وما زعم ابن كيسان من أنّ هذا المذهب يفسده كون ذلك مؤديا إلى أن يكون وجود العامل أضعف من عدمه إن قدّرت أن التعرية عن عامل نصب أو خفض ، لأنّ التعرية تعمل رفعا ووجود العامل الذي قدّرت التعرية عنه يعمل نصبا أو خفضا ، وعامل الرفع أقوى من عامل النصب والخفض ، إذ قد يعمل النصب والخفض معنى الفعل وليس كذلك الرفع ، وإن قدّرت التعرية عن عامل رفع كان وجود العامل وعدمه سواء ، وإنّما ينبغي أن يكون الشيء موجودا أقوى منه معدوما.
وهذا باطل لأنّا لا نعني بالتعرية أكثر من أنّ الاسم المبتدأ لا عامل له ، وإنّما كان يلزم ما ذكرنا لو قدّرنا أنه قد كان له عامل ثم حذف.
وفي الرافع أيضا للخبر أربعة أقوال ، فمنهم من ذهب إلى أنه مرفوع بالابتداء الذي ارتفع به المبتدأ (١). وهذا باطل لأنه قد تقدم إبطال إعمال الابتداء. وأيضا فإنّه قد يؤدّي إلى إعمال عامل واحد ، وهو الابتداء ، في معمولين رفعا من غير أن يكون أحدهما تابعا للآخر ، وهما المبتدأ والخبر ، وذلك لا نظير له.
ومنهم من ذهب إلى أنّ المبتدأ هو الرافع للخبر (٢) ، وذلك باطل بدليلين : أحدهما أنّ المبتدأ قد يرفع فاعلا ، نحو قولك : «القائم أبوه ضاحك» ، ولو كان رافعا للخبر لأدّى ذلك إلى إعمال عامل واحد في معمولين رفعا من غير أن يكون أحدهما تابعا للآخر ، وذلك لا نظير له كما تقدّم ، والآخر أنّ المبتدأ قد يكون اسما جامدا ، نحو : «زيد» ، والعامل إذا كان غير متصرّف لم يجز تقديم معموله عليه ، والمبتدأ يجوز تقديم الخبر عليه ، فدلّ ذلك على أنّه غير عامل فيه. وإلى هذا المذهب ذهب سيبويه لكنّه عندي باطل لما ذكرت لك.
ومنهم من ذهب إلى أنّ الخبر يرتفع بالابتداء والمبتدأ معا وذلك أيضا فاسد ، لأنّه أيضا يؤدّي إلى منع تقديم الخبر ، لأنّه لا يتقدّم المعمول إلّا إذا كان العامل لفظا متصرفا ، ولا يردّ على هذا المذهب بأنّه يؤدّي إلى إعمال عاملين في معمول واحد لأنّه لا يجعل
______________________
(١) قال بذلك فريق من البصريين. انظر : الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٤٤ ـ ٥١.
(٢) قال بذلك الكوفيون وجماعة من البصريين منهم سيبويه. انظر : الإنصاف مسائل الخلاف ٤٤ ـ ٥١.