كلامهم معرفة ، وما أجازوه من الإتيان به معرفة ، نحو : «هذا زيد القائم» ، لا يلتفت إليه لأنّهم إنّما قالوه بالقياس.
فالذي يثبت من هذا الباب قد قدّمناه أوّلا وهي أفعال كلها بلا خلاف إلا «ليس» فإنّ فيها خلافا. فمذهب الفارسي ومن أخذ بمذهبه أنّها حرف ، واستدلّ على ذلك بأنّها لا مصدر لها ولا تتصرّف ، وأنها ليست على أوزان الأفعال. وذلك كلّه لا حجة فيه. أمّا كونها لا تتصرّف وكونها لا مصدر لها ، فإنّه قد وجد من الأفعال ما هو بهذه الصورة ، نحو التعجب في مثل : «ما أحسن زيدا» ، ألا ترى أنّه لا مصدر له وأنّه لا يتصرف ، وقد سلم الخصم مع ذلك أنّه فعل لقيام الدليل عليه ، وسنذكر ذلك في موضعه.
وأمّا كونها ليست على وزن الفعل في اللفظ ، فإنّه يحتمل أن تكون مخففة من «فعل» ، فتكون في الأصل «ليس» ، نحو : «صيد البعير» (١) ، و «فعل» قد تخفف فيقال : «فعل» ، قال الشاعر [من الرجز] :
٢٤٢ ـ لو شهد عادا في زمان عاد |
|
لابتزّها مبارك الجلاد |
والتزم فيها التخفيف لثقل الكسرة في الياء ، ولا يمكن أن تكون «فعل» في الأصل لأنّ «فعل» لا يخفّف ، ولا «فعل» بضمّ العين ، لأنّ «فعل» لا يبنى ممّا عليه ياء.
فإن قيل : وما الذي يدلّ على أنّها فعل؟ فالجواب : إنّ الذي يدلّ على ذلك لحاق
______________________
(١) أي أصابه الصيد ، وهو داء يصيب عنق البعير.
٢٤٢ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢٥١.
اللغة : ابتزها : سلبها. مبارك الجلاد : وسط الحرب ومعظمها ، وأصل الكلام : لابتزها من مبارك الجلاد ، فحذف حرف الجر وأوصل الفعل إلى الاسم بنفسه.
الإعراب : «لو» : حرف شرط غير جازم. «شهد» : فعل ماض مبني على الفتحة والفاعل «هو». «عاد» : مفعول به منصوب بالفتحة. «من زمان» : جار ومجرور متعلقان بالفعل «شهد». «عاد» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «لابتزها» : اللام واقعة في جواب الشرط ، «ابتزها» : فعل ماض و «ها» : مفعول به والفاعل «هو». «مبارك» : اسم منصوب بنزع الخافض والتقدير : «من مبارك». «الجلاد» : مضاف إليه.
وجملة «لو شهد لابتزها» الشرطية : ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «ابتزها» : جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله : «شهد» حيث خفّف الفعل لثقل كسرة عين فعل ، والأصل : شهد.