صحيحا» ، ويكون انتصاب «صحيحا» على أنّه حال ، وكذلك لا يجوز تعريف المنصوب بعدها إلّا أن يكون من الصفات التي يجوز فيها القطع ، فتنصب إذ ذاك بفعل مضمر ، نحو : «مررت بزيد المسكين» ، و «مررت به الشجاع».
وكذلك ألحقوا بأفعال هذا الباب الفعل المكرر ، نحو : «لئن ضربته لتضربنّه الكريم» ، و «لئن أكرمته لتكرمنّه العاقل» ، فجعلوا «الكريم» و «العاقل» وأمثالهما منتصبة على أنّها أخبار للفعل المكرر ، وذلك لا حجة فيه ، لاحتمال أن يكون الاسم المنصوب بدلا من مفعول الفعل ، فإن استدلّوا بأنّه لو كان بدلا لم يلزم الإتيان به قيل لهم : ربّ تابع لازم ، نحو : «الجمّاء الغفير» ، ألا ترى أنّ «الغفير» تابع الجمّاء أبدا ولا تجيء إلا كذلك.
وكذلك ألحقوا بأفعال هذا الباب اسم الإشارة في نحو : «هذا زيد قائما» ، وجعلوا «هذا» تقريبا و «زيدا» اسم التقريب ، و «قائما» خبر التقريب ، واستدلّوا على ذلك بأنك قد تقول : «هذا زيد قائما» ، لمن يقطع بأنه قد علم أنّ المشار إليه زيد ، لأنّ الخبر إنّما يكون مجهولا عند المخاطب ، وحينئذ يكون مفيدا. ومما يبيّن ذلك قوله تعالى : (هذا بَعْلِي شَيْخاً) (١). ألا ترى أنها لم ترد أن تعلم المخاطبين أنّ المشار إليه بعلها ، وإنّما أرادت أن تنبههم على شيخوخته. قالوا : فدلّ ذلك على صحة ما قلناه.
وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد ، لأنّ «هذا» اسم فلا بد أن يكون له موضع من الإعراب ، وعلى مذهبهم لا موضع له من الإعراب.
فإن قيل : فكيف جعلتم اسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبرا ، وليس المعنى على ذلك؟ فالجواب : إنّ الكلام إذا ذاك محمول على معناه ، فإنّك إذا قلت : «هذا زيد قائما» ، فاللفظ على الإخبار عن المشار إليه بزيد ، والكلام محمول على معنى : تنبّه لزيد وربّ كلام صورته لفظ على خلاف معناه ، نحو : «غفر الله لزيد» ، فإنّ لفظه لفظ الخبر والمعنى على الدعاء.
وكذلك «اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه» لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الأمر ، وكذلك قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (٢) ، اللفظ لفظ الأمر ومعناه الخبر ، فكذلك : «هذا زيد» ، لفظه لفظ الإخبار عن «هذا» بـ «زيد» ومعناه معنى الأمر بالتنبيه إلى زيد في حال ما.
ومما يدلّ أيضا على أنّ المنصوب حال التزام التنكير فيه ، ولو كان خبرا لسمع من
______________________
(١) هود : ٧٢.
(٢) مريم : ٧٥.