ثم جعل «الذكرني» في موضع خبر «كوني» ، فإنّ ذلك من وضع الأمر موضع الخبر ، كأنه قال : «تذكريني» ، فيكون قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (١). أي : فيمدّ ، ولذلك قلّ مجيئه لأن مع الأمر مرفوع الخبر لا يكثر ولا يقاس عليه.
واختلف هي مرفوع الماضي بغير «قد» موقع أخبار هذه الأفعال إذا كانت ماضية ، فمنهم من منعه في جميع هذه الأفعال إلا في «ليس» فإنّه يجوز ذلك فيها باتفاق إجراء لها مجرى ما حكى سيبويه : «ليس خلق الله مثله».
واحتجّ صاحب هذا المذهب بأنّ الفعل الذي يقع خبرا إذا كان ماضيا لم يحتج معه إلى «كان» وأخواتها ، لأنّها إنّما دخلت على الجملة لتدلّ على الزمان ، فإذا كان الخبر يعطي الزمان لم يحتج إليها ، وكان ذكرها فضلا ، ألا ترى أنك إذا قلت : «زيد قام» ، كان المفهوم منه ومن : «كان زيد قام» واحدا ، فإن جاء شيء من ذلك فهو عنده على إضمار «قد» ، لأنّها تقرّب الماضي من الحال ، فإذا قلت : «كان زيد قد قام» ، فكأنّك قلت : «كان زيد يقوم».
والصحيح عندي أنّ هذه الأفعال تنقسم ثلاثة أقسام : قسم يجوز ذلك فيه باتفاق وهو «ليس» ، وقسم يمتنع فيه وهو «ما زال» ، و «ما انفك» ، و «ما فتىء» ، و «ما برح»
______________________
ـ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١١٣.
اللغة : دلي : تدللي من الدلال. صناع : الماهرة في الأعمال اليدوية.
المعنى : شجعيني على المكارم وعمل المعروف ، ومن ثم تدللي ما شئت ، دلال الشريفة الماجدة ، الماهرة في العمل.
الإعراب : ... وكوني : «الواو» : حرف عطف ، «كوني» : فعل أمر ناقص مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة ، و «الياء» : ضمير متصل في محل رفع اسمها. بالمكارم : جار ومجرور متعلقان بالفعل ذكريني. ذكريني : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الياء» الأولى في محل رفع فاعل. ودلي : «الواو» : عاطفة ، «دلي» : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة ، و «الياء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. دل : مفعول مطلق منصوب وهو مضاف. ماجدة : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. صناع : صفة مجرورة بالكسرة الظاهرة.
وجملة «وكوني» : معطوفة على جملة «لا تلومي» الاستئنافية. وجملة «ذكريني» : في محل نصب خبر «كان». وجملة «دلي» : معطوفة على جملة كوني لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : (كوني بالمكارم ذكريني) إذ جاء خبر كوني جملة إنشائية ، طلبية.
(١) مريم : ٧٥.