أنّها تدخل على المحتمل فتخلّصه للحال فتقول : «ليس زيد يقوم» ، كما تقول : «ما زيد يقوم» ، فتكون في الموضعين بمعنى الحال ، و «ما» لا تتصرف فكذلك «ليس». وكذلك أشبهت أيضا «ليت» في أنّها على وزنها في اللفظ وفارقت أوزان الأفعال ، فكما أنّ «ليت» لا تتصرّف فكذلك «ليس».
وأما «ما دام» فإنّها لا تتصرّف لأنّها في معنى ما لا ينصرف ، وذلك أنّك إذا قلت : «أفعل هذا ما دام زيد قائما» ، كان المعنى مثل قولك : «أفعل هذا إن دام زيد قائما». ألا ترى أنّ الفعل المتقدم معلّق على وجود الدوام في الموضعين ، فلّما كانت في معنى شرط قد تقدّم ما يدلّ على جوابه لم تكن إلّا بصيغة الماضي ، لأنّ الفعل إن كان كذلك إنّما تكون صيغته للماضي. تقول العرب : «أنت ظالم إن فعلت» ، ولا تقول : «أنت ظالم إن تفعل».
وما بقي من الأفعال فهو متصرّف يستعمل منه الماضي والمستقبل واسم الفاعل ، تقول : كان يكون فهو كائن ، وأصبح يصبح فهو مصبح ، وزال يزال فهو زائل ، وحكى الكسائي : يزيل ، في مضارع «زال» فتقول : «ما يزيل زيد يفعل كذا» ، وهو قليل جدا. وكذلك سائر أخواتها.
واختلف في اسم المفعول من هذه الأفعال ، فمن الناس من أجازه ومنهم من منعه ، فممّن منعه الفارسي ، فحجّته أنّ مفعولا لا يبنى إلا من فعل يجوز ردّه لما لم يسمّ فاعله ، فلا يقال عنده : مكون ، كما لا يقال : «كين» ، وامتنع عنده ما كان لما لم يسمّ فاعله ، لأنّك لو حذفت المرفوع كما تحذف الفاعل وتقيم مقامه الخبر المنصوب كما تقيم المفعول لأدّى ذلك إلى بقاء ما أصله الخبر دون مبتدأ ، لا في اللفظ ولا في التقدير ، وذلك غير جائز ، لأنّ الخبر لا بد له من المخبر عنه.
وممن أجاز ذلك الفراء والسيرافي وسيبويه.
أما الفراء فأجاز ذلك لأنّه يجيز : «كين قائم» ، تشبيها بـ «ضرب عمرو» ، لأنّ المرفوع كالفاعل والمنصوب في هذا الباب كالمفعول ، فعامل الفعل في هذا الباب معاملة ما أشبهه ، وقد تقدّم الاستدلال على فساد ذلك.
وأما السيرافي فأجاز ذلك على أن يحذف الاسم ويحذف بحذفه الخبر ، إذ لا يتصوّر
جمل الزجاجي / ج ١ / م ٢٤