فأولى «كان إيّاهم» وهو معمول «عوّد» ، فإن قيل : فلعلّ في «كان» ضمير الأمر والشأن و «عطية» مرفوع على الابتداء و «عوّد» في موضع الخبر ، وقدّمت معمول الخبر على المبتدأ ، وتكون على ذلك قد أوليت «كان» اسمها الذي هو الضمير ، فالجواب : إنّ ذلك يؤدّي إلى ما لا يجوز ، وذلك أنّ خبر المبتدأ لا يتقدّم معموله على المبتدأ إذا كان فعلا ، وقد تقدّم الاستدلال على ذلك في باب الاشتغال.
وإن قدّمته مع الخبر ، امتنع عند بعض النحويين لإيلائك الفعل ما ليس باسم له ولا خبر ، وذلك نحو قولك : «كان طعامك آكلا زيد».
والذي يجيز حجّته أنّ المعمول من كمال الخبر وكالجزء منه ، فأنت إذا إنّما أوليتها الخبر ، وهو الصحيح.
فإن قدّمت معمول الخبر قبل هذه الأفعال ، فلا يخلو أن تقدّمه وحده ، أو مع الخبر ، فإن قدّمته مع الخبر ، جاز في كل موضع يجوز فيه تقديم الخبر ، وذلك نحو : «في الدار قائما كان زيد» ، فإن قدّمته وحده لم يجز كان ظرفا أو مجرورا أو غير ذلك ، فلا تقول : «في الدار كان زيد قائما» ، ولا «يوم الجمعة كان زيد منطلقا» ، ولا «طعامك كان زيد آكلا» ، لكثرة الفصل بين المعمول الذي هو صلة الخبر والعامل الذي هو الخبر.
______________________
ـ من مخبأه ليلا ، يضرب به المثل في السرى فيقال : أسرى من القنفذ. هدّاجون : ج هدّاج ، وهو صيغة مبالغة من هدج يهدج هدجا ، وهدج الرجل : مشى بارتعاش. عطيّة : أبو جرير الشاعر.
المعنى : يقول : إنّ قوم جرير كالقنافذ يسيرون في الليل طلبا للفحشاء وضروب الرجس كما عوّدهم عطيّة والد جرير.
الإعراب : «قنافذ» : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : «هم». «هدّاجون» : نعت «قنافذ» مرفوع بالواو لأنّه جمع مذكر سالم. «حول» : ظرف مكان متعلّق بـ «هدّاجون» ، وهو مضاف. «بيوتهم» : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف ، و «هم» : في محلّ جرّ بالإضافة. «بما» : جار ومجرور متعلّقان بـ «هداجون». «كان» : فعل ماض ناقص. «إياهم» : ضمير منفصل في محلّ نصب مفعول به مقدّم لـ «عوّد». «عطيّة» : اسم «كان» مرفوع. «عوّدا» : فعل ماض ، والألف للإطلاق ، وفاعله ... «هو».
وجملة : «... قنافذ» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «كان إياهم ...» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «عوّدا» في محلّ نصب خبر «كان».
الشاهد : قوله : «بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا» حيث قدّم الشاعر معمول خبر «كان» ، وهو «إيّاهم» على اسمها ، وهو «عطيّة» مع تأخير الخبر ، وهو جملة «عوّد» عن الاسم أيضا. هذا ما أجازه الكوفيون ، ومنعه البصريون.