«في الدار قائما كان زيد» ، و «كان في الدار قائما زيد» ، فإنّ الأمر عندهم على ما كان عليه إلّا أنّه لا يجوز أن يكون خلفا من الموصوف ؛ لأنّ الصفة إذا تقدمها معمولها لم يجز أن تخلف الموصوف عند الكسائي ، كان المعمول ظرفا أو غير ظرف. وأما الفراء فيفصّل ، فإن كان معمول الخبر ظرفا أو مجرورا أجاز أن تكون الصفة خلفا ، وإن كان غير ظرف ولا مجرور ، لم يجز أن تكون خلفا ، نحو : «طعامك آكلا كان زيد» ، و «كان طعامك آكلا زيد».
والصحيح عندنا في جميع ذلك أنّه خبر مقدم لم يخلف موصوفا يثنّى ويجمع. فإن قدّمت الخبر وأخّرت معموله ، فقلت : «آكلا كان زيد طعامك» ، فإنّ ذلك لا يجوز لفصلك بين العامل الذي هو «آكل» والمعمول الذي هو «طعامك» بأجنبيّ أعني بما ليس بمعمول لـ «آكل». وهذا الذي فعلوه هو بمقتضى مذهب البصريين إلّا أن تجعل «طعامك» مفعولا بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر ، كأنك قلت بعد قولك : «آكلا كان زيد» : يأكل طعامك ، فإنه يجوز على كلّ مذهب.
فإن قلت : «كان كائنا زيد قائما» ، فإن الكسائي يجعل في «كان» ضمير أمر وشأن. و «كائنا» خبر «كان» ، و «زيد» اسم «كائن» ، و «قائما» خبر «كائن». والفراء يجعل «كائنا» خبر «كان» ، و «زيد» مرفوعا بـ «كان» ، و «كائن» على أنّه اسمهما ، و «قائما» خبر «كان» ، ويكون حكمه في التقديم والتأخير كحكم ما تقدم إلّا أنّه لا يجوز عندهم أن تقول : «كائن كان زيد قائما» ، فتفصل بين «كائن» وبين خبرها وهو «قائم» بأجنبيّ. ولا يجوز حمله على فعل مضمر يدل عليه «كائن» كما كان ذلك في «آكلا كان زيد طعامك» ، لأنّ «كائنا» ناقص لا يتم إلّا بخبره ، وإنّما يتصور قطع الاسم عن العامل الأول إذا كان مما يتم دونه.
ولا يجوز عند أهل الكوفة : «كان يقوم زيد» ، على أن يكون خبرا مقدما ، لأنّه لا يتصوّر أن يكون خلفا. لأنّ الفعل لا يخلف الموصوف ، فيلزم إذا جعل خبرا أن يكون فيه ضمير يعود على الاسم ، والضمير المرفوع لا يتقدم عندهم على ما يعود عليه ، فلا يجوز عندهم إلّا على ما قدمناه على مذاهبهم ، أعني كون زيد مرفوعا بـ «كان» و «يقوم» في موضع الخبر على مذهب الفراء ، أو يكون «زيد» مرفوعا بـ «يقوم» وفي «كان» ضمير الأمر والشأن و «يقوم» في موضع الخبر ، ولا يجوز عندهم تقديم «يقوم» على الفعل ، فتقول : «يقوم كان زيد» ، على وجه من الوجوه ، لأنّ هذه الأفعال لا يدخل عليها الفعل ، والظرف والمجرور جاريان مجرى الفعل لكونهما لا يخلفان الموصوف. فإن كان الخبر اسما لا