(إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) (١). وقول الشاعر [من المتقارب] :
٢٥٣ ـ أحلّ به الشيب أثقاله |
|
وما اغترّه الشيب إلّا اغترارا |
ألا ترى أنّه إذا حمل على ظاهره كان فاسدا ، لأنّه معلوم أنّه لا يظنّ غير الظن ، ولا يغترّ الشيب إلّا اغترارا.
وهذا عندي قد يتصوّر أن تكون «إلّا» فيه في موضعها ، ويكون ممّا حذفت فيه الصفة لفهم المعنى ، كأنّه قال : إنّ نظنّ إلّا ظنّا ضعيفا ، وكأنه قال : وما اغترّه الشيب إلّا اغترارا بيّنا ، وهذا أولى لأنه قد ثبت حذف الصفة لفهم المعنى ، ولم يثبت وضع «إلّا» في غير موضعها.
والوجه الآخر : أن يكون «الطيب» اسم «ليس» ، والخبر محذوف و «إلّا المسك» بدل منه ، كأنّه قال : «ليس الطيب في الوجود إلّا المسك» ، أو يكون «إلّا المسك» نعتا ، والخبر محذوف ، كأنّه قال : ليس الطيب الذي هو غير المسك طيبا في الوجود حقيقة ، وحذف
______________________
(١) الجاثية : ٣٢.
٢٥٣ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ٩٥ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٣٧٤ ؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٩٧ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٧٠٤ ؛ وشرح المفصّل ٧ / ١٠٧.
اللغة : أحلّ : أنزل. أثقاله : متاعبه ، اغتره : خدعه.
المعنى : لقد فاجأته الشيخوخة بأعبائها وهمومها ، كما داهمه الشيب على حين غرة منه ولم يكن قد فكر فيه من قبل.
الإعراب : أحل : فعل ماض مبني على الفتحة. به : جار ومجرور متعلقان بالفعل (أحل). الشيب : فاعل مرفوع بالضمة. أثقاله : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جر بالإضافة. وما اغتره : «الواو» : عاطفة ، و «ما» : نافية ، و «اغتر» فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. الشيب : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. إلا اغترارا : «إلا» : حرف حصر ، و «اغترارا» : مفعول مطلق منصوب بالفتحة.
وجملة «أحل الشيب» ابتدائية لا محل لها. وجملة «وما اغتره الشيب» معطوفة على ابتدائية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : «ما اغتره الشيب إلا اغترارا» فقد أخر «إلا» إلى ما بعد الفاعل وقبل المفعول المطلق وكان يجدر به أن يقول : «وما اغتره اغترارا إلا الشيب».