وكذلك أيضا يبطل أن تنصب أحدهما وتخفض الآخر ، أو ترفع أحدهما وتخفض الآخر إذ لا يكون خفض إلّا بواسطة حرف.
فلم يبق إلّا أن ترفع أحدهما وتنصب الآخر.
فإن قيل : فلم كان المنصوب الاسم والمرفوع الخبر ، وهلّا كان الأمر بالعكس؟ فالجواب : إنّه لمّا وجب رفع أحدهما تشبيها بالعمدة ونصب أحدهما تشبيها بالفضلة ، كان أشبههما بالعمدة الخبر ، لأنّ هذه الحروف إنّما دخلت لتوكيد الخبر أو تمنّيه أو ترجّيه أو التشبيه به ، فصارت الأسماء كأنّها غير مقصودة ، فلمّا رفع الخبر تشبيها بالعمدة نصب الاسم تشبيها بالفضلات.
وزعم بعض النحويين أنّه يجوز فيها أن تنصب الاسم والخبر معا ، وممن ذهب إلى ذلك ابن سلام في طبقات الشعراء له ، وزعم أنّها لغة ، واستدلّ على ذلك بقول عمر بن أبي ربيعة [من الطويل] :
٢٧٩ ـ إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت ولتكن |
|
خطاك خفافا إنّ حرّاسنا أسدا |
______________________
٢٧٩ ـ التخريج : البيت لعمر بن أبي ربيعة في الجنى الداني ص ٣٩٤ ؛ والدرر ٢ / ١٦٧ ؛ وشرح شواهد المغني ص ١٢٢ ؛ ولم أقع عليه في ديوانه ؛ وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ٤ / ١٦٧ ، ١٠ / ٢٤٢ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٣٥.
اللغة : جنح الليل : أوّله ، أو آخره. أسدا وأسودا : جمع أسد.
المعنى : يتحدث على لسان محبوبته تخاطبه قائلة : إذا حلّ الليل بظلامه الأسود ، فلتقدم علينا في أوّله (أو آخره) متيقّظا ، متسلّلا بحذر لأنّ حراسنا شجعان كالأسود.
الإعراب : إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان ، متضمّن معنى الشرط متعلق بجوابه. اسودّ : فعل ماض مبني على الفتح. جنح : فاعل مرفوع بالضمة. الليل : مضاف إليه مجرور بالكسرة. فلتأت : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، و «اللام» : لام الأمر تجزم الفعل المضارع ، و «تأت» : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة من آخره ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنت). ولتكن : «الواو» : للعطف ، و «اللام» : لام الأمر ، و «تكن» : فعل مضارع ناقص مجزوم باللام. خطاك : اسم (تكن) مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. خفافا : خبر (تكن) منصوب بالفتحة. إن : حرف مشبه بالفعل. حراسنا : اسم (إنّ) منصوب بالفتحة ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. أسدا : خبر (إنّ) منصوب بالفتحة على رأي من ينصبون المبتدأ والخبر بها ، وحال منصوبة عند من قدّر الخبر فعلا محذوفا.
وجملة «اسودّ» : في محل جرّ بالإضافة. وجملة «فلتأت» : لا محلّ لها (جواب شرط غير جازم). ـ
جمل الزجاجي / ج ١ / م ٢٧