فإن قيل : إنّ حروف التحضيض لا يليها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا ، فهي مختصة به ولا تعمل مع ذلك في الأفعال ، وذلك نحو : «هلّا تضرب زيدا» ، فالجواب : إنّ أدوات التحضيض يجوز فيها أن يليها الاسم في اللفظ ويضمر معها الفعل وتارة لا يضمر الفعل بل يكون ظاهرا ، فصارت مثل الحروف التي لا تختص باللفظ.
ومن النحويين من ذهب إلى أنّها أشبهت الأفعال في أنها على ثلاثة أحرف فصاعدا مثلها ، وأنّها مفتوحة الأواخر كالفعل الماضي ، وأنّ معانيها معاني الأفعال في التأكيد ، والتشبيه ، والترجي ، والتمنّي ، وأنّها تلحقها نون الوقاية كما تلحق الفعل ، نحو : إنّني وكأنّني وليتني ولعلّني ولكنني ، وأنّها تتّصل بها ضمائر النصب كما تتّصل بالأفعال ، وأنّها تطلب اسمين طلب الفعل المتعدّي لهما. وهذا باطل ، لأنّ ضمائر النصب إنّما اتصلت بها بعد عملها النصب ، وكذلك نون الوقاية إنّما ألحقت من أجل ياء المتكلم وياء المتكلم إنّما اتصلت بها بعد العمل. وأما كونها على ثلاثة أحرف ، وأنّ أواخرها مفتوحة ، وأنّ معانيها الأفعال ، فليس ذلك موجبا لعملها ، ألا ترى «ثمّ» على ثلاثة أحرف ومفتوحة الآخر كـ «إنّ» ومعناها العطف ، فكأنّك قلت : عطفت ، وهي مع ذلك لا تعمل ، وأما طلبها الاسمين طلب الفعل المتعدّي لهما ، فإن كان يراد بذلك أنّها تطلب الاسمين على الاختصاص ، فإنّ ذلك وحده موجب للعمل كما قدمناه.
فإن قيل : فإذا وجب لها العمل كما ذكرتم فلأيّ شيء رفع أحد الاسمين ونصب الآخر ، وهلّا كان الأمر بالعكس بخلاف ذلك؟
فالجواب : إنّها أشبهت من الأفعال «ضرب» ، فكما أنّ «ضرب» ترفع أحد الاسمين وتنصب الآخر ، فكذلك هذه الحروف ، وأيضا فإنّه لا يمكن فيها أكثر من ذلك ، وذلك أنّه لا يخلو من أن ترفعهما ، أو تنصبهما ، أو تخفضهما ، أو ترفع أحدهما وتنصب الآخر ، أو ترفع أحدهما وتخفض الآخر ، أو تنصب أحدهما وتخفض الآخر ، ولا يتصوّر أكثر من ذلك ، فباطل أن ترفعهما ، لأنّه لم يوجد عامل واحد يعمل في اسمين رفعا من غير أن يكون أحدهما تابعا للآخر.
وباطل أن تنصبهما أو تخفضهما ، لأنّه لم يوجد عامل واحد يعمل نصبا أو خفضا من غير أن يعمل مع ذلك رفعا.