فحمل على المعنى ، كأنّه قال : «أتركبون أو تنزلون» ، ولو لا ذلك لم يجز أن تعطف مرفوعا على مجزوم ، فعطف على المعنى ، وإن لم يكن في اللفظ ما يجوز الرفع ويطلبه. ومما جاء من ذلك في الكلام نادرا قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) (١) ، ثم قال بعد : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) (٢). كأنّه قال : أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مرّ على قرية؟ ولو لا ذلك لم يسغ عطف «كالذي» على الذي ، لأن المعنى إذ ذاك يختلّ ، ألا ترى أن المعطوف شريك المعطوف عليه ، ولو جعلت «كالذي» معطوفا على «الذي» لكان التقدير : ألم تر كالذي مرّ على قرية. فيكون في ذلك إثبات لمثل الذي مرّ على قرية وليس المعنى على ذلك ، بل المراد إنكار وجود مثله ، فلذلك وجب أن يعتقد فيه أنّه محمول على المعنى. فلما كان هذا النوع من العطف غير منقاس لذلك لم يجز عندنا : «إنّ زيدا قائم وعمرو» ، على أن يكون محمولا على معنى : «زيد قائم» ، بل يكون رفع «عمرو» ـ عندنا ـ إمّا على الابتداء والخبر محذوف ، وإمّا على العطف على الضمير إذا كان هناك توكيد أو طول كما تقدّم.
فإنّ كان العطف على سائر أخوات «إنّ» و «لكنّ» فإنّه لا يجوز إلّا النصب على اللفظ ،
______________________
ـ ١ / ١٩٥ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ٢ / ٦٠.
المعنى : نحن قوم شجعان محاربون نتقن فنون القتال جميعا من طعان على ظهور الخيل إلى ضراب بالسيوف للمشاة.
الإعراب : إن : حرف شرط جازم. تركبوا : فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع فاعل و «الألف» : فارقة. فركوب : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «ركوب» : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف. الخيل : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. عادتنا : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف و «نا» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. أو تنزلون : «أو» : حرف عطف ، «تنزلون» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. فإنا : «الفاء» : رابطة لجواب شرط مقدر ، «إنا» : حرف مشبه بالفعل و «نا» : ضمير متصل في محل نصب اسمها. معشر : خبرها مرفوع بالضمة الظاهرة. نزل : صفة معشر ، مرفوعة بالضمة الظاهرة.
وجملة «تركبوا» : فعل الشرط لا محل لها. وجملة «ركوب الخيل عادتنا» : في محل جزم جواب شرط. وجملة «تنزلون» : في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره أنتم. وجملة «تنزلون» مع المبتدأ المحذوف : معطوفة على جملة «إن تركبوا» لا محل لها. وجملة «إنا معشر نزل» : في محل جزم جواب الشرط.
والشاهد فيه قوله : «أو تنزلون» حيث عطف الفعل المضارع المرفوع «تنزلون» على المضارع المجزوم «تركبوا» ، وهذا العطف عطف على المحل ، والتقدير : أتركبون أو تنزلون.
(١) البقرة : ٢٥٨.
(٢) البقرة : ٢٥٩.