بل الذي تقرر فيها الحرفية ، بدليل أنّهم يقولون : جاءني الذي كزيد ، فيصلون الموصول بالكاف والاسم المجرور بها في فصيح الكلام كما يصلونه بسائر المجرورات. ولو كانت الكاف اسما لم يجز ذلك إلّا في ضرورة أو نادر كلام ، كما لا يجوز : «جاءني الذي مثل زيد» ، لأن الموصول إذا وصل بالمبتدأ والخبر ولم يكن في الصلة طول ، لم يجز حذف المبتدأ وإبقاء الخبر إلّا في ضرورة أو في شذوذ كلام ، نحو قراءة من قرأ : تماما على الذي أحسن (١) ، ومثلا ما بعوضة (٢). أي : تماما على الذي هو أحسن ، ومثلا الذي هو بعوضة ، فكذلك لو كانت الكاف اسما لم يكن بد من أن بقول : «جاءني الذي هو كزيد».
وأما القياس فلأنّ الأسماء الظاهرة لا تجيء على حرف واحد إلّا شذوذا لا يلتفت إليه.
واستدلّ أبو الحسن على أن الكاف اسم في الكلام بقول الأعشى [من البسيط] :
٣٣٥ ـ أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط |
|
كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل |
______________________
(١) الأنعام : ١٥٤.
(٢) البقرة : ٢٦.
٣٣٥ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ١١٣ ؛ والأشباه والنظائر ٧ / ٢٧٩ ؛ والجنى الداني ص ٨٢ ؛ والحيوان ٣ / ٤٦٦ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٤٥٣ ، ٤٥٤ ، ١٠ / ١٧٠ ؛ والدرر ٤ / ١٥٩ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٨٣ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٣٤ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٤٣ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٢٧٢ (دنا) ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٢٩١ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٨٦ ؛ ورصف المباني ص ١٩٥ ؛ والمقتضب ٤ / ١٤١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٣١.
اللغة : الشطط : الجور والغلوّ. الفتل : ج الفتيلة ، وهي خرقة السراج التي تشتعل.
المعنى : يقول : انتهوا أيّها القوم ، ولن ينهاكم عمّا أنتم فيه من بغي كالطعن يغور في جراحه البالغة الزيت والفتل.
الإعراب : «أتنتهون» : الهمزة للاستفهام ، «تنتهون» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. «ولن» : الواو استئنافيّة ، «لن» : حرف نصب. «ينهى» : فعل مضارع منصوب. «ذوي» : مفعول به منصوب بالياء ، وهو مضاف. «شطط» : مضاف إليه مجرور. «كالطعن» : الكاف اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل رفع فاعل «ينهى» ، وهو مضاف ، «الطعن» : مضاف إليه مجرور. «يذهب» : فعل مضارع مرفوع. «فيه» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يذهب». «الزيت» : فاعل مرفوع. «والفتل» : الواو حرف عطف ، «الفتل» : معطوف على «الزيت» مرفوع.
وجملة : «أتنهون» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «لن ينهى ...» استئنافيّة لا محلّ لها من ـ