إلى المفعول ، ألا ترى أنّك وصلت إلى أخذ الدينار بنفسك من غير واسطة إلّا أنّك أوقعت ذلك الأخذ بسبب زيد ، وباء الاستعانة كما تقدم إنما تدخل على الأدوات لوصل الفعل إلى المفعول.
ومثال كونها للحال : «جاء زيد بثيابه» ، أي : ملتبسا بثيابه ، و «جاء زيد بنفسه» ، أي : منفردا بنفسه. وإنّما سمّيت باء الحال لأنها قد حذف معها الحال لفهم المعنى ونابت منابه ، فلنيابتها مع ما بعدها مناب الحال سميت باء الحال.
ومثال كونها للقسم : «بالله ليقومنّ زيد» ، وكذلك الباء أوصلت فعل القسم إلى المقسم به ، وقد استوفي حكمها في باب القسم.
ومن جعل الباء للتبعيض استدلّ على ذلك بقول العرب : «أخذت بثوب زيد». ومعلوم أنّ الأخذ إنما كان ببعض الثوب. وحمل على ذلك قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) (١). فزعم أنّ مسح بعض الرأس يجزي. وهذا الذي ذهب إليه من أن الباء تعطي التبعيض فاسد ، بل التبعيض هنا مفهوم من معنى الكلام ، وإنما أعطت الباء إلصاق الأخذ بالثوب ، وقد علم أنّ اليد لا تختلط بجميع الثوب ، كما أنك إذا قلت : «شربت ماء البحر» ، إنّما تريد شربت بعض ماء البحر ، فكما أنّ التبعيض هنا لم يفهم من حرف فكذلك هو في قولهم : «أخذت بثوبه» ، وإنّما يقال إنّ الحرف يعطي معنى إذا كان المعنى لا يفهم إلا من الحرف ، نحو قولك : «قبضت من الدراهم» ، ألا ترى أنّ التبعيض إنّما فهم من «من» ، بدليل أنّك لو قلت : الدراهم ، وأسقطت «من» لارتفع التبعيض ، وكان المقبوض جميع الدراهم ، وأنت لو قلت : «أخذت الثوب» ، وأسقطت الباء لعلم أنّ الأخذ إنما كان في بعض الثوب ، إذ اليد لا تحيط بجميع أجزاء الثوب.
وكذلك أيضا من جعلها بمعنى «عن» استدلّ على ذلك بأنّك تقول : «سألت به» ، بمعنى : سألت عنه ، قال الله تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) (٢) ، أي : عنه ، وقال الشاعر [من الطويل] :
فإن تسألوني بالنّساء فإنّني |
|
بصير بأدواء النّساء طبيب (٣) |
______________________
(١) المائدة : ٦.
(٢) الفرقان : ٥٩.
(٣) تقدم بالرقم ٣٣٣.