فإن قيل : فكيف جاز قوله : تنبت بالدهن (١) ، في قراءة من ضمّ التاء ، و «تنبت» مضارع «أنبت» ، والهمزة في «أنبت» للنقل ، فكيف جاز الجمع بينها وبين الباء وهي للنقل؟ بل كان ينبغي أن يقال تنبت الدهن أو تنبت بالدهن. فالجواب : إن ذلك يتخرّج على ثلاثة أوجه. أحدها : أن تكون الباء زائدة على غير قياس ، كأنّه قال : تنبت الدهن ، فتكون بمنزلتها في قوله [من الرجز] :
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج (٢)
يريد : نرجو الفرج.
والآخر أن تكون الباء للحال ، فكأنه قال : تنبت ثمرتها وفيها الدهن ، أي في هذه الحال ، أو وفيه الدهن ، أي وفي الثمر الدهن ، فيكون الحال إما من ضمير الفاعل أو من المفعول المحذوف لفهم المعنى وهو الثمر.
والثالث : أن يكون «أنبت» بمعنى «نبت» لأنّه يقال : «نبت البقل» و «أنبت البقل» بمعنى واحد كما يقال : تنبت بالدهن ، فكذلك يقال : «أنبتت بالدهن».
ومثال التي لمجرد الإلصاق والاختلاط قوله : «مسحت برأسي» ، تريد ألصقت المسح برأسي ، من غير حائل بينهما. والإلصاق هنا حقيقة لأنّ المراد بالآية (٣) اتصال المسح بالرأس من غير حائل بينهما. وقد يكون الإلصاق مجازا ، نحو قولك : «مررت بزيد» ، ألا ترى أنّ المرور بزيد إنما التصق بمكان يقرب من زيد ، فجعل كأنّه ملتصق بزيد مجازا.
ومثال كونها للاستعانة : «كتبت بالقلم» و «بريت بالسكين» ، وكذلك كل ما يدخل على الأدوات الموصلة إلى الفعل ، ألا ترى أن ما بعد الباء هو الذي وصل به الفاعل إلى إيقاع الفعل بالمفعول ، والقلم هو الذي وصل به الفاعل إلى إيقاع الكتابة بالقرطاس ، والسكين هو الذي وصل به الفاعل إلى إيقاع البري بالقلم.
ومثال كونها للسبب قولك : «أخذت بزيد دينارا» ، وأمثال ذلك مما دخلت فيه الباء على ما وقع الفعل بسببه.
والفرق بين باء السبب وباء الاستعانة أن باء السبب لم تدخل على شيء وصل به الفعل
______________________
(١) المؤمنون : ٢٠.
(٢) تقدم بالرقم ٢١٠.
(٣) يريد الآية : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة : ٦].
جمل الزجاجي / ج ١ / م ٣٣