ألا ترى أن الله تعالى لا يوصف بأنه ذهب مع سمعهم وأبصارهم. وهذا لا يلزم أبا العباس ، لاحتمال أن يكون فاعل ذهب «البرق» ، أي : لذهب البرق مع سمعهم وأبصارهم ، ويحتمل أن يكون فاعل «ذهب» الله تعالى ، ويكون الله تعالى قد وصف نفسه على معنى يليق به سبحانه ، كما وصف نفسه سبحانه بالمجيء في قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (١).
والذي يبطل ما ادعاه أبو العباس من التفرقة بين الباء والهمزة قوله [من الطويل] :
٣٥٢ ـ ديار التي كانت ونحن على منّى |
|
تحلّ بنا لو لا نجاء الرّكائب |
أي : تحلّنا ، ألا ترى أن المعنى : تصيّرنا حلالا محرمين ، وليست هي داخلة معهم في ذلك لأنّها لم تكن حراما فتصير حلالا بعد ذلك.
ولكون الباء بمعنى الهمزة لا يتصوّر الجمع بينهما ، فلا تقول : «أذهب بزيد» ، ولا «أقمت بعمرو» ، لأنّك لو فعلت ذلك كان أحد الحرفين لا معنى له ، ألا ترى أنّك إذا قدرت النقل لأحدهما كان الآخر غير ناقل.
______________________
(١) الفجر : ٢٢.
٣٥٢ ـ التخريج : البيت لقيس بن الخطيم في ديوانه ص ٧٧ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٢٧ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٤٨ ؛ ولسان العرب ١١ / ١٦٣ (حلل) ؛ وبلا نسبة في الأزمنة والأمكنة ١ / ٢٧٨ ؛ وجواهر الأدب ص ٤٥.
اللغة : منى : اسم موضع من مناسك الحج. النجاء : المسرعة. الركائب : جمع ركيبة وهي الإبل.
المعنى : إننا بفضل سرعة إبلنا دخلنا منى فأصبحنا محرمين.
الإعراب : ديار : اسم منصوب على القطع بفعل محذوف تقديره (أعني). التي : اسم موصول في محلّ جرّ بالإضافة. كانت : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة ، و «اسمها» : محذوف تقديره (هي). ونحن : «الواو» : حالية ، «نحن» : ضمير رفع منفصل في محلّ رفع مبتدأ. على منى : «على» : حرف جر ، «منى» : اسم مجرور بالكسرة المقدرة ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر (نحن). تحل : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هي). بنا : جار ومجرور متعلقان بالفعل تحل. لو لا : حرف شرط غير جازم. نجاء : مبتدأ مرفوع بالضمة وخبره محذوف وجوبا تقديره (موجود). الركائب : مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «أعني ديار» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تحل بنا» : في محلّ نصب خبر كانت. وجملة «نحن على منى» : في محل نصب حال. وجملة «نجاء الركائب موجود» : جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة جواب الشرط محذوفة ، وجملة «لو لا نجاء» : استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : «تحل بنا» حيث جاءت بمعنى تحلّنا.