أي : فكفانا حبّ النبيّ محمد إيانا فضلا على من غيرنا.
فهذه الأماكن تناقس فيها زيادة الباء لكثرة وجود ذلك في كلامهم. وما عدا ذلك مما الباء فيه زائدة ، فزيادتها فيه على غير قياس ، نحو زيادتها في فاعل «يأتي» من قوله [من الوافر] :
ألم يأتيك والأنباء تنمي |
|
بما لاقت لبون بني زياد (١) |
يريد : ألم يأتك ما لاقت لبون بني زياد ، لقلّة ما جاء من ذلك. إلا أنّ أحسنه أن يكون ما زيدت فيه الباء قد توجّه عليه النفي في المعنى ، نحو قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٢). فزاد الباء في خبر «إن» وهو «قادر» ، لما كان النفي متوجها عليه في المعنى ، لأنّ معنى الكلام : أو ليس الله بقادر.
وغير الزائدة تكون لمجرّد الإلصاق ، والاختلاط ، والاستعانة ، والسبب ، والقسم ، وللحال ، وبمعنى «في» ، وللنقل.
وزعم بعض النحويين أنها تكون للتبعيض ، وبمعنى «عن». وذلك باطل لما يبيّن بعد إن شاء الله تعالى.
فمثال كونها للنقل بمنزلة الهمزة : «قمت بزيد» ، يريد : أقمت زيدا ، فيصير الفاعل مفعولا ، وذلك لا يكون إلّا في كلّ فعل غير متعدّ. وهي عندنا بمعنى الهمزة خلافا للمبرد ، فإنّه يفرق بينهما في المعنى ، فإذا قلت : «أقمت زيدا» ، فالمعنى : جعلته يقوم ولا يلزمك أن تقوم معه ، وإذا قلت : «قمت بزيد» ، فالمعنى : جعلته يقوم وقمت معه ، فما بعد الباء يشترك عنده مع الفاعل فعله. وليس كذلك المفعول المنقول بالهمزة.
ورد بعضهم عليه ذلك بقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) (٣).
______________________
محلّ نصب مفعول به للمصدر (حبّ) ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.
وجملة «كفى حبّ النبي» : استئنافيّة لا محلّ لها. وجملة «هو غيرنا» : صلة الموصول لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله : «كفى بنا» حيث زيدت (الباء) على المفعول به (نا) ، والأصل (كفانا).
(١) تقدم بالرقم ٣٤٣.
(٢) الأحقاف : ٣٣.
(٣) البقرة : ٢٠.