أحدهما : أنّ معنى الباء قريب من معنى الواو ، لأنّ الواو للجمع والباء للإلصاق ، والإلصاق جمع في المعنى.
والآخر : أنها من حروف مقدم الفم.
ولما كانت الواو بدلا من الباء لم تتصرف تصرّف الباء ، لأنّ الفرع لا يتصرّف تصرّف الأصل ، فجرّت الظاهر خاصة ولم تجر المضمر ، لأنّ المضمر يرد الأشياء إلى أصولها ، وقد تقدم ذلك.
والأصل هو الباء ، والتاء بدل من الواو ، وذلك أنّها لا يخلو من أن تكون بدلا من الواو أو من الباء ، فلا ينبغي أن تجعل بدلا من الباء لأنّ التاء لم يثبت إبدالها من الباء في موضع وقد ثبت إبدالها من الواو في مثل : «تراث» ، و «تخمة» ، و «تكأة» فينبغي أن تجعل في هذا الباب بدلا من الواو ولم تتصرّف تصرّفها ، فلذلك لم تجرّ إلا اسم الله تعالى أو الربّ.
وأما اللام فإنها أيضا ليست أصلا في هذا الباب ، لما تقدّم من أنّ فعل القسم وهو «أقسم» و «أحلف» لا يصل باللام وإنّما يصل بالباء ، لكن لما أريد معنى التعجب ، والتعجب يصل باللام ضمّن فعل القسم معنى «عجبت» ، فيتعدّى بتعديته ، فقلت : «لله لا يبقى أحد» ، فكأنّك قلت : عجبت لله الذي لا يبقي أحدا.
ولما لم تكن اللام أصلا في هذا الباب لم تتصرّف فلم تدخل إلّا على اسم الله تعالى.
وأما «من» والميم المكسورة والمضمومة ، فإنّها لم تتصرّف في الخفض فإنّها لا يخفض بها إلّا في القسم خاصة ، لذلك لم يدخلوا «من» إلّا على «الربّ» ، والميم المكسورة والمضمومة إلّا على «الله».
ولما كان ما عدا الباء من حروف القسم ليس مستعملا بحق الأصالة في باب القسم لم يظهروا معه فعل القسم وأظهروه مع الباء ، فقالوا : «أقسم بالله» ، و «أحلف بالله».
وأجاز ابن كيسان ظهور الفعل مع الواو ، فأجاز أن يقال : «أقسم والله لأفعلنّ كذا». وهذا لا ينبغي أن يجوز كما لم يجز مع سائر حروف القسم التي ليس استعمالها بحق الأصالة ، ولا يحفظه أحد من البصريين ، فإن جاء شيء من ذلك فينبغي أن يتأوّل على أن يكون «أقسم» كلاما تاما ثم أتى بعد ذلك بالقسم ولا يجعل «والله» متعلقا بـ «أقسم».